ضربات الأحذية!!

TT

لم يعد هناك شيء مستبعد، بل إن المستبعد صار هو ألا تجد ما هو مستبعد. في كل مرة تفاجئنا برامج الـ«توك شو» بأنها أصبحت «توك شوز»، وذلك بسبب كثرة تبادل الأحذية بين الضيوف، حيث صار عدد منهم يستعد قبل البرنامج بفك أربطة الحذاء تأهبا لإرسال ضربة استباقية أو للرد الفوري على ضربة مباغتة. اضطر كل من الإعلاميين وائل الإبراشي وطوني خليفة بعد طول مداراة إلى تقديم تلك المشاهد المحذوفة من برنامجيهما لعدد من النشطاء والسلفيين، الذين لجأوا للتعبير عن وجهة نظرهم بالأحذية.

الحقيقة أن العنف في برامج الـ«توك شو» تستطيع أن ترى بداياته تاريخيا من خلال برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة «الجزيرة»، عندما كان مقدم البرنامج فيصل القاسم يحرص على زيادة حدة الصراعات بين ضيوفه، وكلما ارتفع السقف زادت جرعة المتابعة الجماهيرية، ولهذا كان في اختياراته يتعمد أن يصل الخلاف إلى 180 درجة ويعلو الصوت ثم تزداد حدة نبرة الغضب وتتسلل بين الحين والآخر الشتائم، وقد ينتهي الأمر إلى تبادل الكراسي الطائرة والتهديد بالأسلحة البيضاء وصولا إلى النارية.

الكثيرون كانوا يعتبرون أن النجاح يساوي كم الصخب والتجاوزات اللفظية والحركية في البرنامج، وبالفعل حجزت مثل هذه البرامج لنفسها مكانة متميزة على خارطة الفضائيات.

أتصور أن استخدام الأحذية بهذا الإفراط أحد توابع الانفلات في الشارع الذي صاحب ثورات الربيع العربي. هل تتذكرون مؤخرا صورة السيدة المصرية التي استخدمت «شبشب بلاستيك» للتعبير عن ندمها وهي تضرب رأسها في لقطة تلفزيونية شهيرة، لأنها منحت صوتها لمحمد مرسي رئيسا لمصر؟!

الأحذية أيضا ترتبط بتلك اللقطة التي لا تنسى، عندما انهال الصحافي العراقي منتظر الزيدي بحذائه في قذيفتين متتاليتين صوب جورج بوش الابن في مؤتمر صحافي بالعراق قبل نحو 7 سنوات، واستطاع بوش برشاقة تفادي الحذاء، بينما هناك من كتب قصيدة يشيد فيها بالزيدي على اعتبار أنه البطل المغوار الذي انتصر على أميركا من خلال رشق رئيسها بالنعال. هل أذكركم بالحذاء الذي رفعه نيكيتا خروشوف، رئيس الوزراء السوفياتي، في الأمم المتحدة أيام الاتحاد السوفياتي خلال الستينات، متوعدا أميركا بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ ولدينا في مصر أحذية أخرى شهيرة، مثل المستشار القانوني الذي وضعه في المحكمة على منصة القضاء.

لم تعد مثل هذه التجاوزات من الطرائف التاريخية كما كان يحدث في الماضي، بل صارت وكأنها جزء من البرامج. كل ضيف صار يحرص على أن يقدم اللقطة الأخيرة التي يحولها المشاهد إلى لقطة ثابتة حتى يصل إلى لحظة الذروة وبلغة الموسيقى «كريشندو»، فعدد من ضيوف تلك البرامج يبحثون عن «الإفيه» الذي يردده الناس.

أصبح لدينا نجوم في الفضائيات، حيث تحقق لهم هذه البرامج عائدا ماديا وأدبيا، وفي العادة فإن الضيف الذي يثير الاهتمام هو الذي تبحث عنه برامج الـ«توك شو» وتدفع له الرقم الذي يريده على اعتبار أن الغالي «تمنه فيه». صار لدينا أكثر من 700 فضائية ناطقة بالعربية، وأصبح واحدا من الأهداف الرئيسية هو العثور على المشهد المثير والساخن، كما أن عددا من الضيوف صار يقدح زناد فكره من أجل «الإفيه» الذي يردده المشاهدون، مثل هذا الشيخ الذي طلب من المذيعة أن ترتدي حجابا قبل لقائه، وذاك الذي أصر أن تضع أخرى بينها وبينه ساترا حتى يصبح اللقاء شرعيا، وفي العادة فإن مقدمي البرامج لا يجدون بأسا من الانصياع لتلك الطلبات الغريبة، فهم يدركون أن مثل هذه التفاصيل تظل في الذاكرة وتمنح برامجهم مساحات من الاهتمام، حتى إننا لم نعد نرى في الفضائيات «توك شو»، بل «توك شوز»!!