ابن الجوزي ظريفا

TT

عرف أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن ابن الجوزي الفقيه الحنبلي المحدث والمؤرخ، بإنتاجه الغزير في العلوم، غير أن له جانبه الظريف أيضا فله في ذلك كتاب مؤنس وطريف باسم «أخبار الظراف والمتماجنين»، وآخر على هذا الغرار بعنوان «أخبار الحمقى والمغفلين». وعبر الكثير من أشعاره عن روح سخرية قوية. ومنها ما قاله في أهل بلده، بغداد:

عذيريّ من فتية بالعراق

قلوبهم بالجفا قلّب

يرون العجيب كلام الغريب

وقول القريب فلا يعجب

ميازيبهم إن تندت بخير

إلى غير جيرانهم تقلب

وعذرهم عند توبيخهم

مغنية الحي لا تطرب!

يشرح في مستهل كتابه المشار إليه «أخبار الظراف والمتماجنين» صفات الظرف والظرفاء فيقول:

«الظرف يكون في صباحة الوجه، ورشاقة القد ونظافة الجسم والثوب، وبلاغة اللسان وعذوبة المنطق، وطيب الرائحة، والتقزز من الأقذار والأفعال المستهجنة. ويكون في خفة الحركة وقوة الذهن وملاحة الفكاهة والمزاح. ويكون في الكرم والجود والعفو وغير ذلك من الخصال اللطيفة، وكأن الظريف مأخوذ من الظرف الذي هو الوعاء، فكأنه وعاء لكل لطيف. وقد يقال (ظريف) لمن حصل فيه بعض هذه الخصال».

وانعكست سخريته في الكثير من ملاسناته مع الفقهاء والمتصوفة، حتى اتهمه أبو الفداء بميله إلى الوقيعة في العلماء. ووردت نماذج كثيرة من لذعات قلمه في كتابه «تلبيس إبليس» في نقد الصوفية.

وله أقوال ظريفة وبليغة. قال:

«شهوات الدنيا أنموذج، والأنموذج يعرض ولا يقبض!».

وقال له قائل: «ما نمت البارحة من شوقي إلى مجلسك». فأجابه: «نعم لأنك تريد أن تتفرج. وإنما ينبغي أن لا تنام لأجل ما سمعت».

وسأله آخر: «أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟» فأجابه: «عند نفسك من الغفلة ما يكفيها. فلا تشغلها بالملاهي».

وسأله أحد النجارين سؤالا فقال له: «يا نجار، أخذت بالأنفاس. هذا وقت الرندج لا وقت الفأس!».

وقال وكان كمن ينظر إلى الأمام ليخاطب بعض المسؤولين في العراق الذين تمادوا في نهب العراق وإفساده:

«من قنع طاب عيشه. ومن طمع طال طيشه!».

وذكروا له أن قوما يعظون من دون معرفة أو علم فأنشد وقال:

قالوا تصاهلت الحمير

فقلت: إذ عدم السوابق

خلت الديار من الرخاخ

ففرزت فيها البيادق

بأبي أنت وأمي يا ابن الجوزي! ما أشبه اليوم بالبارحة!