إيران والتحالفات الوعرة!

TT

هل تستبدل إيران دول الربيع العربي بتحالفها التاريخي مع سوريا الأسد الآيلة للسقوط؟! مثل هذا التساؤل يفترض أن يشغل المشهد السياسي في المنطقة، كلما حانت ساعة الحسم في الملف السوري ليسدل الستار على تحالف امتد لأكثر من ثلاثين عاما؛ لكنه كان في أقوى حالته مع الثورة الشعبية في سوريا التي شئنا أم أبينا قلبت الموازين الإقليمية حتى قبل سقوط النظام السوري. وبالتالي كان التأخر في السقوط سببا في تردد أنظمة «الربيع العربي» - المصنفة إيرانيا كتجارب مكررة للثورة الخمينية - عن عقد أي تحالفات حقيقية بسبب المأزق الإيراني في ملف سوريا، لكن ذلك لم يمنعها من التقارب مع إيران كأحد الخيارات الإقليمية (تركيا - إيران - الخليج).

لا يبدو أن إيران تراهن على بقاء النظام السوري حتى في ظل خذلان المجتمع الدولي للثورة السورية وتردده في دعمها بشكل فاعل خوفا مما ستؤول إليه الأوضاع لاحقا في متوالية مكررة دائما في التدخل الدولي بمناطق التوتر: أفغانستان ومرورا بالعراق ودول البلقان حيث التراخي الدولي والاكتفاء بالإنجاز العسكري الذي يخلق مناخات صحية لنمو بذور الجماعات المتطرفة و«القاعدة» والتي تتعزز صورتها في مناطق القتال مع استقدام أجانب كبديل تضحوي ومؤثر في خلق توازن في معارك شرسة تسقط معها كل القيم السياسية.

لكن اللافت في التحالف السوري - الإيراني أن إيران أيضا لا تراهن على نجاح أي مرحلة انتقالية بمشاركة وبقاء النظام رغم استماتتها في تكريس هذا الخيار كبديل آمن للمجتمع الدولي، لكن نموذج الحل اليمني يتطلب قبل إقناع النظام وجود صيغة توافقية بين كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية ومنها دول الخليج وتركيا لكنه في النهاية سيضمن بقاء التحالف السوري - الإيراني.

سقوط النظام السيناريو الأقرب للتحقق يوما بعد يوم وهو ما يتفاءل به كل المناهضين للنظام البعثي والمتعاطفين مع ثورة الشعب السوري رغم كل المنعطفات الخطرة التي مرت بها وحولتها في سياقات ما إلى شبح الحرب الأهلية. لكن مثل هذا السيناريو المفزع لإيران قد يجعل المنطقة تدخل مرحلة «حرق المراحل» وذلك بتوزيع الضرر على دول الجوار السوري وخلق حالة «فراغ سياسي» لا يمكن السيطرة عليها، وتترشح لبنان كخيار أول للعب دور ضحية سقوط النظام السوري والفوضى التي سيخلقها رحيله.

الفوضى المرشحة بعد رحيل نظام الأسد تزداد ضراوتها كلما فشلت الدول المساندة للثورة السورية في توحيد صفوف الجيش الحر والميليشيات المتكاثرة في المشهد السوري وحتى حالات الانكفاء على الذات التي يعيشها الريف السوري والعشائر التي بدأت تتعامل مع الوضع اللاحق بتسليح نفسها وخلق هويات سياسية صغيرة جهوية كما هو حال مدن الريف أو عقائدية كالمجموعات المقاتلة المناصرة لـ«القاعدة» أو حتى إثنية كما يفعل الأكراد في مناطق الشمال السوري وهو الأمر الذي قد يسمح بعودة سوق «التحالفات» ومحاولة الحصول على مواقع سياسية متقدمة عبر اللعب على طاولة التحالفات الإقليمية. وهناك الكثير من التقارير الصحافية الغربية تتحدث عن مفاوضات إيرانية مع بعض قادة الجيش الحر وبعض الفصائل المقاتلة، وهو الأمر الذي ستؤول تفاصيله إلى حزب الله المرشح للعب دور ضابط إيقاع الحضور الإيراني ما بعد سقوط الأسد. النقطة الحاسمة في تموضع «إيران» في المشهد الإقليمي الآن هي الحالة الاقتصادية التي تحاول طهران القفز عليها حيث لم تشهد البلاد أزمة اقتصادية خانقة كاليوم، إذ إن نسبة التضخم الأعلى، وحالات البطالة في ازدياد كبير، مع تراجع النمو الاقتصادي بسبب تراجع حجم صادرات النفط وآثار الحصار الاقتصادي.

إلا أن مثل هذا الانهيار الوشيك قد يتحول إلى نقطة إعادة البناء في حال نجاح الحوار مع المجموعة الغربية 5+1 ورفع العقوبات وعودة العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي انعكاس ذلك على الاقتصاد بعودة نسب تصدير النفط إلى سابق مستوياتها بواقع 5.2 مليون برميل يوميا.

الأكيد أنه لا يمكن التنبؤ حتى مع المصالحة المتوقعة مع المجتمع الدولي ولو بشكل نسبي بتحسن الحالة الاقتصادية. فالسياق الداخلي الإيراني مهم جدا حيث الحراك السياسي الذي بدأ بسبب الانتخابات الرئاسية، كما أن نقد أداء الحكومة داخليا سيصبغ شكل المرحلة القادمة أكثر من تحقيقها نجاحات على مستوى التحالف الدولي، أو حتى بقاء النظام السوري بهذه الوضعية المهشمة.

درس الربيع العربي يقول بوضوح إن الاستقرار السياسي هو ضمانة التماسك الاجتماعي والأمني، وبالتالي فإن الدول التي ستعبر اختبار الأزمات هي التي تستطيع أن تحافظ على جبهتها الداخلية بالمزيد من مشاريع التنمية والإنفاق الحكومي على البنى التحتية والسعي الحثيث لحل مشاكل البطالة وآثار الركود الاقتصادي الذي يمر به العالم.

في اعتقادي أن 2014 سيكون نقطة حاسمة في طريق التحالفات الوعرة في المنطقة والانتخابات الإيرانية والأزمة السورية وعبور عاصفة الربيع العربي واستحقاقات الملفات الداخلية للدول، وبالأخص الناحية الاقتصادية، وحينها ستتميز كثير من الأوهام التي تناسلت منذ شرارة التغيير التي أطلقها البوعزيزي.

[email protected]