فندق السجن وفندق الدير

TT

لا يُعرف يقينا من أين أتى سكان أستراليا الأصليون؟! غير أن البعض يتكهنون بأنهم أتوا من جنوب غربي آسيا قبل ما يزيد على (50.000) سنة، ولكن أول من وطئ أراضيها من الأوروبيين هم البرتغاليون، وبعدهم الهولنديون، في أوائل القرن السابع عشر.

غير أن الرحلة الاستكشافية الحربية للبريطاني (جيمس كوك) هي التي اكتشفتها سنة (1768) وهي التي وثقتها، وبعدها أصبحت من ممتلكاتها، واعتبرتها من بادئ الأمر مجرد منفى، وفعلا أخذت على مدار قرن كامل من الزمان تشحن لها مئات الآلاف من عتاة المجرمين من إنجلترا واسكوتلندا وآيرلندا، وكلهم من القتلة والمحتالين واللصوص والساقطين والساقطات من الرجال والنساء، على حد سواء.

واستقلت أستراليا في عام (1901).

وبعد مرور (200) سنة على اكتشافها، قررت الحكومة والشعب إقامة احتفالات كبيرة في هذه المناسبة، وتشجعت الغالبية منهم على تحري ماضيهم عبر ما يسمى بـ(شجرة العائلة)، وهذا الأمر كثيرا ما ابتعدوا عنه سابقا، وتجنبوه، خوفا من أن تفاجئهم السجلات بما يصدمهم.

غير أنهم مع مرور الزمن اعتقدوا أن ذلك الإحساس بالذنب والخجل الملازم للنسب الوضيع بدأ يتلاشى، وفعلا بدأوا بفتح السجلات، ويا ليتهم لم يفتحوها، إذ اتضح مثلا أن الجد الأقدم لرئيس البرلمان كان لصا خطيرا، وأن جدة إحدى الوزيرات كانت مومسا محترفة، وأن جد راعي الكنيسة الأكبر سبق له أن قتل 3 أشخاص، وفوق ذلك كان ملحدا.

وبعد أن اتضحت مثل هذه الحقائق وغيرها، تراجع كثيرون واستنكفوا ورفضوا أن تُفتح سجلات عائلاتهم.

وعلى ذكر ذلك، حدثني أحدهم، وكان عائدا لتوه من أستراليا، أنه استمتع بالسكن في سجن قديم حولوه إلى فندق، وهو يقع في الجنوب الغربي من الساحل، وقد أضفوا على الزنزانات ومراكز الحرس طابعا عصريا، وأبدلوا بالقضبان زجاجا، وأطلقوا على ذلك الفندق اسم (قصر باكنغهام)، تأسيا بالقصر الملكي في لندن، كما أنه بإمكان السياح ممارسة السباحة والغولف وكرة المضرب وصيد السمك.

وألطف من السجون (الأديرة)، التي حولوا بعضها في فرنسا إلى فنادق متواضعة، وأطلقوا على هذه الفكرة اسم (السياحة الرهبانية)، وبعضها يستقبل الرجال فقط، وبعضها النساء، وبعضها الأزواج، وأغلب زبائنها من السياح الذين ينشدون الحياة البسيطة والاقتصاد والصمت والتأمل خلال النزهات الطويلة، والنهوض من النوم في الصباح الباكر مع صياح الديكة.

ومائدة الطعام عندهم تقتصر على الجبن والخبز والزيتون والخل والزيت والعسل واللحم المقدد والنبيذ، طبعا، وكذلك الماء.

ولو قدر لي الله، فلي رغبة لحوح في أن أذهب إلى هناك وأمكث في أحدها عدة أسابيع أستمتع بالهدوء ولا أكلم أثناءها، طوال الوقت، أحدا، ولا آكل غير الخبز والجبن والزيتون، ولا أشرب غير الماء الزلال.

ولي أمل كبير بأنني بعد ذلك سوف أغتسل من الداخل.

[email protected]