«قراصنة الكاريبي» في مصر

TT

بعض العالم العربي في عين العاصفة، وبعضه على جوانبها، وبعضها بمنأى عنها، حسب الراهن المشاهد الآن.

مما يقال في تفسير هذا التوتر والاحتقان أن الإعلام هو المتسبب في شحن الناس والكذب عليهم، وتزوير صورة الواقع (كلنا يتذكر هجمات مرشد الإخوان في مصر على وسائل الإعلام ووصفه للصحافيين بسحرة فرعون).

أكثر من الإعلام، يتهم على وجه الخصوص الفاعلون في عالم الإنترنت بالتهييج ونشر الإشاعات، وبث القلق والخوف، يتردد هذا كثيرا الآن، في مصر مثلا، ليس على لسان الإخوان والقوى المتحالفة معهم، وحسب، بل وعلى لسان الذين ملوا من مناخ الفوضى، ولا يهمهم الإخوان ولا أعداء الإخوان، بقدر ما يهمهم «أكل العيش»، والاستقرار الذي هو شرط أكل العيش.

الغريب أن من استفاد بالأمس من جو الانفتاح في الإنترنت ومواقع مثل «فيس بوك» و«تويتر» وغيرهما، في نشر دعايته السياسية الخاصة ضد نظام مبارك، ها هو يعود بالنقد والضيق من الذين يستخدمون نفس سلاحه بالأمس، لكن هذه المرة ضده وليس ضد نظام مبارك!

في كل حال، يبدو أن الضيق و«القرف» من حالة الفوضى في مصر قد وصل إلى الطبقات العادية، فقررت مجموعة منهم أن «يقطعوا العرق ويسيحوا دمه» كما يقال في العبارات المصرية، وأين هذا العرق الذي يغذي الفوضى، في نظرهم؟ إنه عرق وحبل الإنترنت، وأين حبل الإنترنت؟ إنه في قاع البحر الأبيض، إذن لنقطع هذا العرق ونسيح دمه في البحر.

قبل أيام أعلن الجيش المصري توقيف 3 غطاسين متهمين بقطع كابل بحري للإنترنت قبالة سواحل الإسكندرية شمال مصر. وكان الغطاسون الثلاثة على متن مركب صغير عندما رصدتهم البحرية. وقد أوقفوا بعد مطاردة على إثر فرارهم، كما قال الجيش في بيان نشره على صفحة «فيس بوك» مساء الأربعاء الماضي. ونشرت على صفحة الجيش صور الرجال الثلاثة وقد وثقت أيديهم وراء ظهورهم. وقد شاهدت الصورة المنشورة بالفعل لهؤلاء الغواصين المغامرين، وهي وجوه تنضح بالمصرية والتلقائية، لا توحي بملامح إجرامية معهودة.

لا ندري، هل قاموا بهذا من تلقاء أنفسهم، أم بالنيابة عن طرف ما، ليس بالضرورة أن يكون «الطرف الثالث» كما في قاموس السخرية السياسية المصرية الحديث، والمنتشر في وسائط الإنترنت أيضا، لكن المؤكد أنهم حاولوا حل المشكلة من جذرها، ومن أعماقها، أعماق البحر، وأن يقدموا النسخة المصرية من «قراصنة الكاريبي»، ولكنهم، لسوء حظهم، وقعوا في قبضة الجيش، الذي يحاول محاصرة الفوضى في البر والبحر... وربما السماء.

لا لوم على أحد أن يفعل أي حل للخروج من هذه الأزمة، حتى ولو كان الحل غزوة لمجاهل البحار.

اليأس يفعل الكثير من هذا.

[email protected]