إيران التي نشتاق إليها

TT

لم يكن مفاجئا للكثيرين أن تكون إيران هي الجهة المنسقة لخلية التجسس التي أعلنت عنها الداخلية السعودية في الأيام الأخيرة الماضية. فإيران باتت العنصر «الثابت» في كل ما هو مقلق مؤخرا، فالبحرين تئن جراء التدخلات والتهديدات الإيرانية، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي احتلت إيران جزرها بشكل سافر، والكويت تعاني الأمرين جراء التدخلات السياسية المباشرة وغير المباشرة من إيران في صميم شؤونها الداخلية، وسبق لها أن أعلنت عن اعتقال الشبكة تلو الأخرى من شبكات التجسس والخلايا المسلحة المحسوبة على الاستخبارات الإيرانية.

وطبعا المشهد العراقي مليء ببصمات وشواهد التوغل الإيراني الذي سكن في «النخاع الشوكي» للمنظومة السياسية في العراق اليوم، وها هو يهدد اليوم أيضا اليمن بشكل فج وسافر، الأمر الذي أدى إلى أن يعلن اليمن على لسان قادته بأن إيران باتت تشكل خطرا أساسيا على وحدة البلاد وأمنها، ولا يمكن إغفال التدخل الإيراني السافر في دعم نظام مجرم وطاغية في سوريا بشكل لا يمكن أن يقبله عاقل ولا مجنون. إنها جميعا مشاهد إجرامية وخطيرة.

هناك جيل بأكمله من العرب اليوم يشتاق لإيران «القديمة» إيران التي كان العرب يشتاقون لزيارتها والانبهار بتمدنها وحضاراتها، جيل شاهد إبداعات حرفيي «أصفهان» وهم يبدعون في إنتاج أجمل الخزفيات والثريات، وحائكي السجاد الإعجازيين في «قم» و«تبريز» و«كلشان» الذين أبهروا العالم بإنتاج أعظم قطع السجاد الذي عرفته البشرية، ناهيك عن المطبخ الإيراني الذي يسيل له اللعاب ويغري الحالمين به ما بين صحن للأرز البسمتي الإيراني والكباب السلطاني و«الجولو» و«البغلي بولو» وهي جميعا أطباق شبه أسطورية لا قبل لها في الثقافات الأخرى، وحدث ولا حرج عن الزعفران الإيراني الذي يجمل الأطباق والشاي والقهوة ولا يمكن نسيان صحون وأصناف الحلوى المشكلة ما بين المن والسلوى وغيرهما.

إيران الفنون والأدب لها هي الأخرى النصيب المهم في الوجدان للذواقة من العرب، فهم كونوا حالة من العشق مع مطربة إيران الكبرى غوغوش التي لا يزال عدد لا بأس منهم يلاحق حفلاتها في كل مكان رغم تخطيها السبعين عاما، ومشهد حفلتها الأخيرة في قاعة ألبرت في لندن هو أكبر دليل على صدق ذلك بلا شك. وأدب عمر الخيام وجلال الدين الرومي وقصائدهما وكذلك إنتاج الأفلام المبهر لمخرجين عظام مثل سميرة مخملباف وعباس كياروستامي، إنها مجرد أمثلة على ما كانت عليه إيران في الوجدان العربي، دولة مبهرة وناجحة وتحولت إلى دولة حاقدة وغاضبة ومثيرة للمشاكل والشغب والفتن والقلاقل حولت شعبها «الفخور» إلى مهجر وموضع شك دائم.

كل ذلك تم ليكون الشعب هو الفدية أو الضريبة لأجل حكم مستبد بشعار «تصدير الثورة». المقارنة بوضع المنطقة قبل ثورة الخميني عام 1979 وما بعد ذلك كفيلة بالإجابة على النتائج التي جاءت تباعا جراء هذا التغيير المريب في المنطقة. لم تكن هذه الثورة إلا وبالا على إيران نفسها وشؤما على المنطقة. نشتاق جميعا لإيران القديمة حينما كانت مصدر إلهام وإعجاب، وتألق كل ذلك بات من صفحات وأرشيف التاريخ لأن حاضرها اليوم لا مكان فيه لأي من هذا.

[email protected]