جمهور ومصارعون وثيران

TT

علق القارئ الأخ صالح الغامدي من أميركا على مقالاتي قائلا:

الله المستعان يا مشعل، الناس في مناحة ولطم وانكسار ومذلة، وأنت مشغل (بشير شنان) وترقص، إلى الله المشتكى يا ابن ذاك المهيب - انتهى.

أولا: أشكره أن ذكر والدي رحمه الله بذلك الوصف، غير أن النار في أغلب الأحيان لا تخلف سوى الرماد - وهذا من سوء حظي.

ثانيا: لم أعرف مع احترامي (بشير شنان)، ولكنني عندما سألت عنه، وجدت أنه مطرب شعبي، فاستحضرت إحدى أغنياته ورقصت عليها فعلا، لكي لا أكسر كلام أخي صالح.

ثالثا: من أول ما وعيت على الدنيا والناس في العالم العربي أشبه ما يكونون في حلبة مصارعة للثيران، بعضهم متفرجون وبعضهم مصارعون وبعضهم ثيران.

على أي حال فموقفي هو أرحم من موقف أستاذنا (عماد الدين أديب) الذي ذكر في أحد مقالاته قائلا:

بينما كنت في نشوة استثنائية، وأنا أتناول طنا من حلوى الجبن الشهير، اقتحم عزلتي وأفسد سعادتي شاب شديد الثورة والغضب، ودار بيننا الحديث التالي:

الشاب: يا أستاذ في الوقت الذي تلتهم فيه - سعادتك - حلوى الجبن، إخوانك وأخواتك السوريون لا يجدون بطانية ولا شربة ماء وكسرة خبز - انتهى كلام الشاب وليس هذا مجال لذكر رد أستاذنا الكبير على ذلك الشاب، خصوصا أن اللقمة نشبت بحلقه ولم يستمتع بها كما يحب قبل أن يرد عليه.

غير أن هناك رأيا يقول: إن الحياة هي الثروة العظمى التي تعطى للإنسان مرة واحدة وللأبد، ونحن العرب وكما أثبتت التجارب لا نمارسها إلا بوصفها فرصة لتدمير الجسد ورغباته، أو لإبادة الآخر المختلف.

السؤال الحاسم هو: هل ولادتنا تعتبر نوعا من مقاتلة الحياة؟!

* * *

وقف أمامي وهو يمد لي ورقة قائلا: إذا كنت (راجل) فسر لي هذه الكلمات.

لم تعجبني طريقته بالمخاطبة ولكنني مع ذلك ضبطت أعصابي، ورفعت له رأسي وأنا أتناول الورقة منه قائلا له: إنني رجل قبل أن أعرف وجهك، وعليك لو سمحت أن تلتزم الأدب مرة ثانية عندما تخاطب الآخرين.

اعتذر وجلس غير بعيد عني، وفتحت الورقة، وهذا ما قرأته فيها: فسر لي معنى الكلمات التالية: طأطأ، تعتع، كشكش، قفقف، رضرض، صلصل، بربر، خنخن، نعنع، نمنم، معمع، ضعضع، لألأ، كتكت (!!).

التفت له قائلا: لقد عرفت هذه الكلمات جميعها، ما عدى كلمة: نعنع.

ولكنني أريدك أن تفسر لي أنت هذه الكلمات التي سوف أقولها لك على السليقة الارتجالية وهي:

بصبص، ثم كركر، ثم وعدد، ثم كنكن، ثم زكزك، ثم دغدغ، ثم رصرص، ثم دقدق، وبعدها لجلج وانطلق يقفز (كالكانغرو)!!

صمت برهة ثم قال لي: جيتك تعينني وتفسر لي، وإذا بك تزيدني حيرة فوق حيرة.

* * *

هو رجل بلغ من العمر عتيا ولم يتزوج، وعرفت أخيرا أنه قد خطب امرأة، فسألته مازحا:

من هي هذه الإنسانة التي استطاعت أن (تجيب رأسك)؟!

فقال لي: اسكت يا شيخ، أما هي أشبه ما تكون (بالحورية)، فهي إذا أرادت أن تتكلم لا تتكلم وإنما تغني، وإذا أرادت أن تمشي فهي لا تمشي وإنما ترقص، وهذا هو ما خلب لبي.

قلت له: يا بختك، صحيح أنك صمت صمت، وأفطرت على (مارون غلاسيه).