(دق فليفل يا كمون)

TT

قبل اختراع وانتشار التليفونات الجوالة (الموبايل)، عندما كانت التليفونات كلها ثابتة، صادف أن رقم تليفوني في شقتي متطابق مع رقم سيدة (شعواطة) - أي سيدة بذيئة الألفاظ ويصعب التفاهم معها - وعرفت في ما بعد أنها أرملة وارثة يتأذى حتى إبليس من الاقتران بها، ولا أدري كيف استحملها زوجها المرحوم!

المهم حاولت في البداية أن أتفاهم معها بالحسنى أن تبدل هي رقم تليفونها برقم آخر، غير أنها لم تتركني حتى أن أكمل كلامي، وبعد فاصل طويل منها من (الردح) قالت لي بالحرف الواحد: «أنت الذي يجب أن تبدل رقم تليفونك و(رجلك فوق رأسك)»، وزعمت أنها تعرف فلانا وفلانا وفلانا، وكلهم يعملون في مصلحة التليفونات، وختمت كلامها الذي ينقط (عسلا) قائلة: «هم الذين يعرفون كيف يربونك يا وقح»، ثم أغلقت أو رزعت السماعة في وجهي.

الواقع أنني (استصبت)، فمن المستحيل أن أبدل رقم تليفوني، لأن لدي مصالح مادية ومعنوية كلها مرتبطة بذلك الرقم، لكن كثرة الإزعاجات التي تتوالى علي ليلا ونهارا، وكل المتصلين يسألون عنها ويطلبون مكالمتها، جعلت عقلي (يتبرجل).

لا أكذب عليكم بعد أن أعيتني الحيلة، وبعد أن عرفت شعبيتها حاولت (التمحّك) بها - بمعنى أنني حاولت أن أستميلها - على أساس أنها امرأة كريمة وبنت أصول، وتعرف التضحية والإيثار حتى على نفسها، غير أن كلامي ونفاقي ذاك لم يزدها إلا خبالا، فجن جنونها إلى درجة أنها سلطت علي بعض زبانيتها من العاملين بالاتصالات، وأتتني منهم تهديدات بأنهم قد سجلوا بعض مكالماتي المشبوهة، وأنهم سوف يفضحونني ويشهرون بي إذا لم أتنازل عن رقمي لصالح تلك الأرملة المشاغبة.

الواقع أنني خفت ولم أخف كذلك، خفت لأنني كنت أخشى أن (يفبركوا) مكالماتي، ولم أخف لأنني والحمد لله أسير على الصراط المستقيم ولم أؤذ أحدا، وكل ما هنالك أنني في كل مكالماتي أحاول أن أبسط نفسي مع كل من يعز علي من دون أي خدش لا للحياء ولا للأحياء.

ومرت علي أيام اعتبرها سوداء في صفحة حياتي إلى الحد الذي وصل بي إلى قطع الغالبية العظمى من علاقاتي كنوع من الحذر، وكدت من هذه الناحية أصبح على الحديدة، اللهم إلا من بعض من أتوسم فيهم الخير، من المترددين على المساجد، لكي يشهدوا لي بأسوأ الأحوال، فيما لا سمح الله إن جرى معي تحقيق عن بعض المكالمات المسجلة والمشبوهة التي قد يندى لها الجبين.

وفي أحد الصباحات أتاني صديق ذكي وملعب، ولاحظ أنني لست (على بعضي)، وأنني لست مشعل المرح والمقبل على الحياة كما يعرفني، وعندما سألني عن حالتي المأزومة هذه، أخذت أفضفض له، فنصحني بالآتي: «كل من يتصل ويسألك عن الأرملة لا تقل له إن الرقم خطأ، ولكن قل له بكل أدب وهدوء: إن المدام في الحمام».

وفعلا طبقت هذه النصيحة، إلى درجة أن بعضهم أصبحوا يضحكون ويتندرون على هذه التي تقضي وقتها كله ليلا أو نهارا في الحمام (!!).

وبعد هذه النصيحة العبقرية، ما هو إلا شهر واحد حتى غيرت الأرملة رقم تليفونها، ثم وما هو إلا شهر آخر بعده حتى أرجعت أنا كل علاقاتي السابقة، وبدأ (الهشك بشك) من جديد، أو بمعنى آخر (دق فليفل يا كمون).

[email protected]