ركاكة.. وعنف

TT

مازح بعض الكتاب والسياسيين بعضهم بأن الرأي العام العربي لن يفتقد الشطحات والمواقف الغرائبية للعقيد الليبي الراحل معمر القذافي في ظل وجود بعض ممن هم على نمطه..

وللحقيقة، فإن في هذا التعليق شيئا من الصحة، فخطابات بعضهم تحمل شعبوية مفرطة، سواء من حيث اللغة المستعملة أو الأداء الجسماني، بحيث باتت خطاباته مادة تندر وسخرية عبر الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذه الشعبوية باتت سمة ملازمة لخطاب الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية في مصر، خصوصا لدى إعطاء مساحة إعلامية لشيوخ وخطباء ومنظرين بعينهم من تلك الجماعات، إذ سرعان ما تظهر تلك اللغة التي تمازج بين الخفة والسذاجة المطلقة وما بين الدعوة إلى العنف وتبنيه أيضا.. لهذا، لا نستغرب أن يفتي شيخ ما وهو في ندوة تلفزيونية بقتل المعارضين لحكم الإخوان المسلمين، أو أن ينبري آخر لاتهام المتظاهرات في ساحات التحرير بأنهن يسعين للتعرض للعنف، بينما يثني ثالث في مظاهرة للإسلاميين بخالد الإسلامبولي قاتل الرئيس أنور السادات، ويتهم رابع ابنة أحد بناة الأهرام بممارسة أفعال غير أخلاقية لبناء الهرم..

لكم هو سهل أن نستعرض سيلا من الآراء والتعابير الخارجة عن أي عقل أو منطق..

صحيح أن هذه الركاكة والشعبوية والعنف والأداء الاستفزازي لشخصيات محسوبة على التيارات الإسلامية تسرع في إفقاد هذه التيارات مصداقية ما وشعبية أوصلتها إلى الحكم، إلا أنها لا تنزع عنها عنفا أكيدا بات لصيقا بالأداء، سواء باللفظ أو بالممارسة..

وما الهجوم على المدينة الإعلامية وحصارها والتهديد باستهداف صحافيين ومقدمي برامج أو بتحطيم استوديوهات واستدعاء نشطاء بارزين والتحقيق معهم - سوى مؤشر للمدى الذي غذت فيه البيئة الإخوانية لمجتمعاتنا بميول عنفية..

وهذا الأداء العنفي يتسابق في تصدره «الإخوان» ومنافسوهم من السلفيين..

في مصر اليوم اصطفاف شبه منظم، بحيث إن معظم وسائل الإعلام الخاصة هي معارضة لـ«الإخوان» ومشاركة في التعبئة ضدهم، بينما هناك الإعلام الرسمي والإعلام الإسلامي الذي لا يقل انتشارا..

صحيح أن الإعلام الخاص يجيد اصطياد هفوات كثيرة ومضحكة أحيانا لمفوهي التيارات الإسلامية، لكن سمة العنف اللصيقة بهذا الخطاب الإسلامي ستبقى إنذارا خطرا لا ينبغي التهاون معه..

ان الفكر المؤسس للعنف في الخطاب الإسلامي تولاه دعاة من الإخوان المسلمين. واليوم، هناك تنافس سلفي - إخواني، ليس على الانتخابات فقط، بل على العنف أيضا، وهذا عنف تظهر لنا الممارسات أن التيارات الإسلامية لم تراجعه فعلا ولم ترتدع عنه..

خطاب بعض الإسلاميين قد يكون لشدة اغترابه عن الواقع مضحكا ومثيرا للشفقة، مع ذلك لا يجدر الاستخفاف بهذا الخطاب والتساهل حيال إمكان تحول هذه الركاكة والخفة نحو عنف أعمى..

diana@ asharqalawsat.com