من «المزاج» إلى «النجاح»

TT

البرازيل دولة «عجيبة»، فهي البلد الأكبر في قارة أميركا الجنوبية، ومغناطيس جاذب لمواطني العالم الثالث الراغبين في حياة مختلفة وبداية جديدة، استطاعت وبشكل مبهر أن تكون «حلما» جميلا لكل هارب من بؤس العالم القديم وجمعت الناس من كل بقعة وكل ركن حول العالم. هي بلد مبهر بطاقاته وثرواته الطبيعية وغاباته الرائعة وتعداده السكاني المهول. ولكن البرازيل ظلت طويلا أسيرة «السمعة السيئة» التي ارتبطت بها وحولتها إلى بلد معني بالأوقات السعيدة التي تشمل المهرجانات والكرنفالات والرقص والموسيقى والشواطئ ولعب كرة القدم ومسابقات ملكات الجمال وعمليات التجميل والقهوة.

كانت البرازيل ينظر إليها على أنها بلد «غير جاد» مغرم بالانقلابات العسكرية والمزاج الاجتماعي العالي، ولكنه مهمل في قدراته وطاقاته وإمكانياته وآماله وطموحاته، غير قادر على تحقيق ما يمكن تحقيقه. ولكن البرازيل اليوم تحولت إلى أحد «محركات» اقتصادات العالم الحديث، وإلى دولة مؤثرة وهامة جدا، فهي أحد أهم منتجي البترول، وبلد مميز جدا في منتجات الغابات من خشب وورق ولباب، وكذلك الحديد والنحاس، مع عدم إغفال قدرتها المميزة جدا في إنتاج الفحم والأحجار النفيسة بكافة أنواعها وأشكالها، ولكن لا يمكن ذكر كل ذلك دون إبراز قيمة البرازيل كسلة غذائية مهمة جدا للعالم، فهي تحتل مراكز ريادية ومتقدمة في إنتاج كافة أنواع الخضر والفواكه، وكذلك هي اليوم اللاعب الأهم على الساحة الغذائية في مجال الثروة الحيوانية.

ولم تكتف البرازيل بقدرتها المتألقة في المجالات المذكورة، ولكنها اقتحمت وبقوة الصناعات الثقيلة والمعقدة فتفوقوا وتألقوا وأبدعوا في مجالات صناعة السيارات، وباتوا مركزا مؤثرا لكبرى شركات السيارات كـ«فولكس فاغن» و«فيات» وغيرهما في البرازيل، ودخلت البرازيل بقوة في صناعة الطائرات، تلك الصناعة «المحتكرة» على لاعبين محددين وبعينهم، ومع ذلك حققت البرازيل نتائج عجيبة وشبه إعجازية وباعت الطائرات بكميات كبيرة لشركات طيران أميركية وأوروبية وبنتائج مرضية جدا.

كيف تحققت قصة النجاح المبهرة هذه؟ وكيف تمكنت دولة «الهز والرقص» كما كان يطلق عليها لأن تكون واحدة من أهم 7 اقتصادات في العالم اليوم بلا جدال؟ إنها القيادة المميزة التي تحققت على يدي الرئيس السابق لولا، ذلك الرجل البسيط في خلفيته ولكن الكبير في طموحه، والاستثنائي بتنفيذ رؤيته. لقد تمكن الرجل من تنفيذ التحول في مسيرة البرازيل في فترة وجيزة جدا في عمر الشعوب، ولكن حقق ذلك بجدارة بعد أن كان مثار شك وسخرية، وأخذ الناس يتعاملون معه بجدية وجدارة واحترام، وخصوصا عندما رأوا النتائج تتحقق وشعاراته التي رفعها باتت واقعا، ولم يكتفِ الرجل بتحقيق النجاح الاقتصادي المبهر، ولكنه تألق في معالجة أكبر قضية عشوائيات في العالم اليوم؛ مدن برازيلية مثل ريو دي جانيرو كانت تعاني من وجود «سرطانات» من العشوائيات داخل المدن، وتحولت لمراكز جريمة منظمة وترويج للمخدرات وأوكار للدعارة وأوجد العلاج لها بشكل منظم فكان للنجاح الاقتصادي الطعم الاجتماعي المريح الذي استشعر قيمته كافة طبقات البرازيل بشتى مستوياتها.

اليوم البرازيل تستعد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2014 في عرس كبير يزفها للعالم بأسره وبعده ستستضيف ريو دي جانيرو الألعاب الأولمبية، وهاتان المناسبتان ستكونان «الختم» المطلوب لتحقيق النقلة الكاملة للبرازيل من دول العالم الثالث إلى مصاف الدول الكبرى وبجدارة. إنها القيادة المؤثرة فهي التي تصنع النجاح المبهر.