الكويت: الخليج لا يتحمل حربا رابعة والقرار بيد خامنئي

TT

اهتمامات الكويت الإقليمية، تكاد تشبه الهموم.. هي تتفاعل وتنفتح وتؤمن باستمرار التواصل، بينما الدول المقابلة تتلكأ. الهموم الإقليمية القريبة تشمل العراق وإيران.

الشهر الحالي ينوي الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس الوزراء الكويتي زيارة بغداد لاستكمال ما بدأته الكويت عام 2012. كان الانفتاح على العراق بدأ مع زيارة الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رئيس الوزراء السابق؛ حيث فتح أبوابا للتلاقي، ثم جاءت زيارة الأمير الشيخ صباح الأحمد للمشاركة في القمة العربية التي عقدت في بغداد، وكانت المراهنة بأنها لن تقع، خصوصا أن بعض الدول شارك على مستوى مندوبين. كانت تلك محطة أساسية أنتجت «اللجنة المشتركة»، حيث تم وضع خريطة طريق وجدول زمني لبحث كل الأمور العالقة بين البلدين، والدولتان الآن في المراحل التنفيذية، لكن تبقى بعض التحرشات الحدودية التي تتعلق بنقاط ترسيم الحدود.

القرار الدولي «338» رسم الحدود بالكامل.. هناك مزارع وبيوت لعراقيين داخل الأراضي الكويتية والعراق ملزم بإزالتها.

عام 1995 أرسلت الأمم المتحدة خبيرا يدرس تعويض المزارعين.. حدد مبلغا من المال قامت حكومة الكويت بتحويله إلى الأمم المتحدة ولا يزال هناك حتى الآن.

في آخر تقرير للأمين العام للأمم المتحدة الشهر الماضي، ناشد العراق ليسحب المبلغ وتعويض المزارعين العراقيين، وأشار إلى أنه على العراق إزالة التجاوزات على الحقوق الكويتية إذا أراد الخروج من الفصل السابع. يقول مسؤول كويتي كبير: «نقول دائما للإخوة العراقيين إننا سنكون الأسعد بخروج العراق من الفصل السابع ويصبح حرا طليقا.. هناك عدة بنود نص عليها القرار لخروج العراق من الفصل السابع.. نحن ساعدناهم في كثير منها، إنما إزالة الخلافات حول الحدود، وتعويض العراقيين، فعلى العراق القيام بهما.. عليه أن يوفي بالتزاماته الدولية». تشعر الكويت بأنه بتقديمها التسهيلات للعراق إنما تساعد نفسها.. فمشاريع الكويت في الشمال كمدن وموانئ ومراكز تخزين وإقامة سكك حديدية، كلها متوقفة. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «تأمل الكويت في الاستقرار كي تخرج والعراق وتركيا وأوروبا، وتستعاد أمجاد طريق الحرير حيث المنطقة كانت منفتحة على تشابك حضارات».

هناك مشاريع مستقبلية كبيرة تستفيد منها الدول المجاورة، إنما تتطلب علاقات طبيعية مع العراق ومع إيران.

الكويت مصرة على التفاعل مع إيران، لأن الأسوأ أن تصبح إيران دولة مغلقة ولا اتصال لها مع جيرانها.. «وتكون لنا على الضفة الأخرى دولة بنموذج كوريا الشمالية.. هذا أسوأ كابوس لنا».. يقول المسؤول الكويتي الكبير. أما بالنسبة للجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فهناك فرق. الكويت تدعو إلى حوار بين الإمارات وإيران، وإذا لم يصل هذا الحوار إلى حل، عندها من الأفضل التوجه إلى محكمة العدل الدولية أو إلى التحكيم. يقول المسؤول الكويتي: «نحن مع هذا التوجه، إنما لسنا مع توجه يخلق أزمة من قبل أي طرف. الإماراتيون مرنون في هذه المسألة، ونحن ندعم بشدة التوجه الإماراتي».

تعرف إيران الموقف الكويتي هذا، فالكويت اقترحت سلوك الطريق الذي سلكته قطر والبحرين بالنسبة لجزيرة «حوار»، لكن في نطاق محكمة العدل الدولية لا يجوز أن تذهب دولة بمفردها، إنما على الطرفين التوجه. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «إن الكويت تحث إيران كي تستجيب للدعوة الإماراتية وتتجه الدولتان معا إلى محكمة العدل الدولية والوصول إلى حل وفق القانون الدولي. حتى الآن إيران ترفض ذلك».

هل تنتظر الكويت تغييرا مع الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران؟ هي سمعت الكلام نفسه الذي قيل عن الرئيس السابق محمد خاتمي ذي التوجه الليبرالي تقريبا، وقيل عن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد اليميني المحافظ. وفي كل مرة كانت الأمور تتراجع.

إيران تمر بأزمة اقتصادية خانقة، والقلق الكويتي هو أن تكون لهذه الأزمة تداعيات على المنطقة. في الحملات الانتخابية الرئاسية يتم التركيز على تعديل الأوضاع الاقتصادية، لكن الإيرانيين يحتاجون إلى أن يعكسوا كلامهم بالنسبة للأولويات في أفعال ملموسة. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «الأولوية في الحملات الانتخابية اقتصادية، لكن على أرض الواقع، نرى التركيز على بناء ترسانة عسكرية بكل ما تحمله من أعباء على ميزانية الدولة والاقتصاد، وهذا عكس ما ينادون به».

تعرف الكويت أن صاحب القرار الأول والأخير في إيران هو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهذا ليس سرا، وأن الرئيس قد يكون واجهة. هي ترى أنه إذا رأى المرشد أن تحسين علاقات إيران مع دول العالم، بما فيها دول الخليج، من مصلحة إيران، وأصبحت لديه قناعة بذلك، فسيكون لهذا انعكاس على باقي دوائر القرار. ويبقى هناك خطر الحرب! كل دول الخليج من دون استثناء لا تريد حربا. لكن في مد الحديث عن الحرب وجزره، فإن إيران «ليست جالسة على عرشها» من دون أن تتحرك. إنها تتحرك بشكل كبير وواسع من خلال الدوائر المؤثرة والمرتبطة بها سواء في لبنان أو في سوريا أو في فلسطين أو في الخليج، وكذلك في دول أخرى آسيوية، وأفريقية وأميركية لاتينية بالذات، وأوروبية. كانت بلغاريا ودور حزب الله المثل الأكبر. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «يشعر الخليجيون بضرورة الاحتراز مما يمكن أن تُقدم عليه إيران إذا ما وضعت في الزاوية.. ماذا ستكون ردة فعلها على دولنا».

هناك خلايا نائمة وأطراف وأياد، أمور تعرفها دول الخليج وأمور أخرى لا تعرفها. همّ هذه الدول أن تحصن نفسها إذا ما وقعت الحرب. لكن هناك بعدا آخر للقلق الكويتي؛ إذ وردت معلومات بأن إيران تريد أن تبني 25 مفاعلا نوويا آخر. لدى الكويت توجس كبير إزاء الحق الكامل لإيران في امتلاك الطاقة النووية. هي تعرف أن هذا حق مطلق لأي دولة، لكنها في الوقت نفسه متوجسة، وقد أبلغت إيران صراحة بأمر توجسها.

مفاعل «بوشهر» توقف مرتين، وعلمت الكويت عن هذه الأعطال من الصحافة الإسرائيلية، وليس من خلال إيران. أخبرت إيران بذلك، وبأن هناك ضرورة لإقامة إجراءات احترازية ووقائية في حال حصل تلوث، أو تكرار لسيناريو مفاعل «تشرنوبيل»، خصوصا أن أقرب نقطة ديموغرافية لـ«بوشهر» هي الكويت. يقول المسؤول الكويتي الكبير: «منذ سبع سنوات ونحن نتكلم اللغة نفسها مع الإيرانيين.. نحن لا نتكلم معهم عن برنامج إيران النووي للأغراض العسكرية، إنما عن مفاعل موجود. وحتى الآن لم تجب إيران». ويضيف: «المفاعلات الأخرى التي ينوون بناءها ستكون على طول ساحلهم مع الخليج. أخبرنا الإيرانيين أنه من الناحية الفنية والجيولوجية، لماذا لا يذهبون باتجاه بحر العرب أو الجزء الجنوبي منه، لكنهم يصرون على بحر الخليج الذي هو في الحقيقة بحيرة والمياه التي تدخله تحتاج إلى 47 سنة كي تخرج منه، ثم إنه يصغر، أي جيولوجياً سيختفي طبعا بعد آلاف السنين».

شهد الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية ثلاث حروب مدمرة، تركت إفرازات قوية على أمنه واستقراره، وهو ليس بحاجة إلى حرب رابعة. الكويتيون يرون أن الإيرانيين قد يصلون إلى حافة الهاوية، لكن لا ينزلقون. هل يوفر التغيير في الإدارة الأميركية الجديدة، وتغيير الإدارة في إسرائيل، والتغيير المقبل في إيران، أجواء استقرار. يقول المسؤول الكويتي الكبير إن اختيار المرشد للرئيس الإيراني المقبل سيعطي المؤشر!