حكومة شراء الوقت في لبنان

TT

غريب أن يظل اللبنانيون مقتنعين بأن تغيير حكوماتهم يغيّر وضعهم من حال إلى حال.

تجارب نحو سبعة عقود من الاستقلال أظهرت أن استبدال «علي بزويك» و«زويك بعلي» في رئاسة الحكومات اللبنانية يحقق انتصارات سياسية قصيرة المدى لأتباعهم.. ولا يرفع الضيق عن لبنان ولا عن اللبنانيين إن لم يخلفهم أسوأ حالا.

والأغرب من ذلك أيضا أن يتركز هم اللبنانيين في الأزمات الحكومية على اسم المرشح العتيد للحكومة المنتظرة فيما معظمهم، إن لم يكن كلهم، لا يثقون بالمؤسسة السياسية بأكملها.

أن يظل الحال على هذا المنوال في مطلع القرن الحادي والعشرين، رغم الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان والأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة بأكملها.. دليل آخر على أن أولويات اللبنانيين بحاجة لإعادة نظر واقعية.

ولكن أنى الواقعية من سياسات لبنان؟

سياسة «النأي بالنفس» عن التورط في دورة العنف في سوريا كانت مؤشرا استثنائيا على أن احتمالات إقدام حكومة لبنانية ما على تبني موقف سياسي واقعي - وبعيد عن الانفعاليات العصبية والمذهبية - ما زالت ممكنة. ولكن سقوط سياسة «النأي بالنفس» تحت ضغوط الملتزمين بولاءات خارجية من وزراء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة أعاد التذكير بأن أولويات الكثير من الأحزاب والسياسيين اللبنانيين لا تنطلق من حسابات داخلية واقعية بقدر ما تلتزم بتوجيهات خارجية حتى ولو كانت مناقضة للمصلحة اللبنانية العامة.

وهنا التحدي «الواقعي» الدقيق للمؤسسة السياسية في لبنان عشية الأزمة الحكومية الراهنة: هل سيتمكن بعض الأقطاب السياسيين الملتزمين بالخارج، «عقائديا» و«ماديا»، من التفكير «واقعيا» في مصلحة لبنان انطلاقا من معطياته الجغرافية - السياسية الذاتية ومن واقعه الإقليمي وبالتالي الدور المنتظر منه بعيدا عن الضغوط الخارجية؟

قديما قيل: «إن شئت أن تطاع فاطلب المستطاع».. وإذا كان المستطاع صعبا في ظروف لبنان العادية فهو مستحيل في ظروفه الراهنة.

على ضوء هذه الخلفية لا يبدو أن ترشيح رئيس الحكومة اللبنانية المقبل سيكون قرارا لبنانيا داخليا لا سيما أن النزاع السوري تحول، بعد سنتين من تفجره، إلى مباراة في «شد الحبال» بين روسيا وإيران، من جهة، والجامعة العربية وتركيا وبعض العواصم الأوروبية من جهة أخرى.

ولا يخفى من «الفيتوات» المتبادلة بين الكتل البرلمانية على أسماء المرشحين لتشكيل الحكومة اللبنانية أن قوى «شد الحبل» تعمل بنشاط على دعم مرشح ما ولجم فرص مرشح آخر فيما توحي سرعة صعود أسهم مرشح ما في بورصة التكليف والسرعة المقابلة في هبوط أسهمه أن معركة تسمية رئيس الحكومة المكلف تخضع لأكثر من عامل ضغط - ولا نقول «تدخل» - داخلي وخارجي.

ربما هي المرة الأولى في تاريخ تشكيل الحكومات اللبنانية التي يتشابك فيها بهذا الشكل المعقد قرارا الطرف الداخلي والطرف الخارجي في تحديد الهوية السياسية للحكومة المنتظرة، ما يسمح، نظريا على الأقل، بتوقع تكليف شخصية «توافقية» لترؤس حكومة «موقتة» في أحسن الحالات.

أما لماذا موقتة فلأنها:

- أولا، سوف تستنزف في إخراج قانون انتخابي على مقاس الجميع في لبنان - وذلك هو رابع المستحيلات.

- ثانيا، سوف تعجز عن مواجهة الأزمة الاجتماعية المتفاقمة بإمكانات لبنان المحدودة، من جهة، والمصادرة من جهة أخرى، ما يرجح انهيارها بفعل تداعياتها المطلبية والشارعية.

- ثالثا، وهو الأمر الأهم شاء اللبنانيون أم أبوا، سوف يكون مصيرها مرتبطا بمصير من سيقطف ثمار «معركة دمشق» من بين الفصائل السورية المتعددة المشارب والمآرب، علما بأن موعد حسم هذه المعركة قد لا يستغرق أكثر من أشهر معدودة.

باختصار قد يوفر ساسة لبنان قدرا كبيرا من معاناة انتظار اللبنانيين لحكومتهم المقبلة إن هم تذكروا أن هذه الحكومة، كائنا من كان رئيسها وكائنة ما كانت هويتها السياسية، لن تخرج عن كونها حكومة شراء وقت.. بانتظار معركة الحسم في سوريا.