رماد الأدب في صحافة العرب

TT

طوت مجلة «كلمن» أوراقها ودفاترها وانضوت في الرماد العربي المتأهب أبدا لطمر كل إبداع ثقافي أو أدبي أو غيره. كانت محاولة يائسة أخرى، من مجموعة متكرسين، للدفع بالعربي ناحية البعد الثقافي والبحث الحضاري والسعة الإنسانية. وقد أخفقت مثل معظم المحاولات السابقة. وفي هذه الزاوية طالما ناشدت الذين يملكون المال حماية الذين يملكون الثقافة والإرادة، لكننا شهدنا المجلات الأدبية تغيب، لأن القارئ العربي غائب إلا اللمم.

غابت «الكرمل»، مجلة محمود درويش، التي كانت تشبهه. وغابت «الآداب» بعد نصف قرن من التصدر. ودون إعلان غابت «الآخر» الفصلية التي أرادها أدونيس تحفة الفن والأدب معا. وقد أعربتُ له قبل إصدارها عن شكوكي وتخوفي، فقال: إنه يعتمد على ناشر عربي مكين. لم أسمح لنفسي بأكثر. لكن أدونيس يشعر الآن بالندم لأنه لم يتعلم من تجربة «شعر» و«مواقف» أو رابع المستحيلات ناشر أدبي وخامسها قارئ عربي. هذا إذا اعتبرنا أن الغول والعنقاء والخِل الوفي حقا من المستحيلات.

ليس لأزمة النشر الأدبي علاقة بأزمة النشر العادي. لقد سبقته بعقود. إنها في الواقع جزء من أزمة الثقافة العربية، في الجامعة والمدرسة والمنابر والمطابع. ولولا النشر «الرسمي»، خصوصا في مصر والكويت، لانقرضت الدوريات المعنية بالنصوص المعمَّقة. وقد نضيف إلى أسباب «الانقراض» عاملا إيجابيا قيما، وهو أن الصحف اليومية أصبحت تعطي الأدب والثقافة حيزا واهتماما وعناية لم تكن متوافرة زمن ازدهار المطبوعات الأدبية. ويجد المرء كما متنوعا ومتراوحا من العناية بالتراث والحداثة، في الأقسام التي يحررها عباس بيضون في «السفير»، ومحمد علي فرحات في «الحياة» وزميلتنا سوسن الأبطح في ربوعنا. وكان أنسي الحاج هو من أسس الجريدة الأدبية في الجريدة اليومية عندما أنشأ «أدب فكر فن» في «النهار»، أواخر الخمسينات.

تحولت صفحته إلى حركة ثقافية نابضة أدت إلى إنشاء أول ملحق أدبي أسبوعي برئاسته، في «النهار» أيضا. وتحول «الملحق» معه إلى جريدة موازية ومستقلة ينتظرها الناس آخر الأسبوع، أحيانا دون النظر إلى الجريدة الأم.

كان «للمحلق» جمهوره، وربما «حزبه»، في المراحل الأولى. وكان الشاعر أنسي الحاج يصنع مواقف الوجدان في «الملحق» الأسبوعي بينما تصنع «النهار» اليومية مواقف الوطن والسياسة والحريات. وقد أحب فيه غسان تويني أنه المتمرد الذي لا يستطيع أن يكونه. وفتح أمامه أبواب الحرية، وله وحده أعطى مكانه على الصفحة الأولى في «النهار»، بالصدر الأول والحرف العريض.