آه من الإغراء آه

TT

ليس هناك إنسان لم يتعرض في مجمل أيامه للإغراء، فالحياة تزخر بالمغريات، والجاهل هو من يندفع من دون ترو للحصول على أكبر قدر منها، والعاقل هو من يقيس ويوازن ويعرف أن هناك محاذير وحدودا يجب عدم تخطيها، وإلا فسوف تكون النتيجة عكسية وينقلب (السحر على الساحر).

فلو أردنا أن نضرب أمثالا بأصناف الإغراء التي بعضها ساذج وبعضها غير ساذج، فالأكل مثلا صنف من أصناف الإغراء، فالبعض لا يهمه ما يدخل معدته وينسى ما قاله القدماء: «المعدة بيت الداء»، وغالبا ما تكون النتيجة وبالا على من يفرط في ذلك، والرسول الكريم نصح أن لا يكون نصيب الطعام فيها غير الثلث، والثلث الثاني للماء أو ما شابه ذلك، أما الثلث الأخير فهو للهواء، أي (فاضي).

وهناك إغراء المال، الذي لا يتورع عن تلويث أصابعه فيه (بعض) أكثر الناس تدينا وتبتلا وقراءة للقرآن الشريف والسنة المطهرة، وغير هؤلاء من المرتشين الذين يكتبون بالذهب حكمة (ميكافيلي) القائلة: الغاية تبرر الوسيلة، أو المختلس الذي يعتبر ما اختلسه مجرد قرض حسن سوف يرده بكل تأكيد فيما بعد، وغالبا ما يكون ذلك (في المشمش).

إن هؤلاء أشبه ما يكونون بشارب الخمر - والعياذ بالله - الذي يشرب الكأس الأولى ثم الثانية ويشعر بالنشوة، وبعدها ينسى نفسه وبدلا من أن يتوقف يشطب على كامل الزجاجة التي أمامه، ليتفجر رأسه في اليوم التالي من شدة الصداع.

وأسوأ أنواع الإغراء هو ذلك الذي تصاحبه حماقة، وأكثر مرتكبيه هم من الذين أغرتهم الشجاعة الكذابة وطول اللسان الممتلئ بالشتائم، فكانوا عرضة لخسارتهم لأصدقائهم، وبعضهم صادقوا وتورطوا مع من هم أقوى وأكثر بذاءة منهم فتدشدشت عظامهم.

الواقع أن من يعرف مناطق ضعفه يكسب على الأقل نصف معاركه، وهناك مثل صيني يقول: «إنك لا تستطيع أن تمنع الطيور من التحليق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها أن تبني عشها في شعرك» - هذا إن كان لديك شعر بالطبع، أما إذا لم يكن فلا شك أنها عندئذ سوف تنقر صلعتك حتى تدميها.

أما ألعن وأروع أنواع الإغراء فهو إغراء المرأة كفانا الله (خيرها وشرها) معا.

وأذكر أن شخصا شاهد امرأة جميلة جالسة في المرتبة الخلفية في سيارتها المتوقفة، وقد ذهب سائقها لإحضار غرض لها من المعرض المقابل، ومن شدة إغرائها أخذ أخونا في الله يحملق فيها بشغف، فما كان منها إلا أن تفتح الشباك نصف فتحه وتؤشر له بيدها أن يقترب، فكاد أن يطير من الفرح، وعندما لامس أنفه الزجاج، قالت له أدخل رأسك لكي أقول لك شيئا، فلما أدخل الأهبل رأسه ما كان منها إلا أن ترفع الزجاج ليطبق على عنقه، ثم تقفل أبواب السيارة، وبعدها بدأت (بتكفيخه)، وهو يصيح ويرافس بأقدامه دون أن يستطيع الفكاك، ولم تطلق سراحه إلا بعد أن حضر السائق مفتول العضلات الذي أكمل الناقص معه، وهذا كله حصل له بسبب بركات (الإغراء).

[email protected]