صورة مبارك الآن!

TT

الأسبوع المقبل من الممكن أن يحصل حسني مبارك على الإفراج من الحبس الاحتياطي، وينعم بقدر من الحرية، بينما تستمر إجراءات محاكمته. موقع مبارك في الضمير الجمعي المصري تلمح به قدرا من التغيير خلال سنتي ما بعد الثورة، في البداية كان هو الحاكم المتهم بسرقة المليارات من قوت الناس الغلابة وإيداعها باسمه في الخارج، وبعد أن اعتلى «الإخوان» سدة الحكم، كلما أخفق محمد مرسي وهو كثيرا ما يخفق نجد أن الصورة الذهنية لمبارك تشهد على المقابل تحسنا، الغضب الضاري الذي كان يحيطه هو والعائلة تهبط معدلاته كلما ازدادت معدلات أخطاء وخطايا مرسي والذين معه من جماعته وأهله وعشيرته، ورغم هذا التأرجح في مشاعر المصريين وقطاع وافر من العرب الذين يعايشون الشأن المصري، فإن هناك أكثر من عمل فني شرع صُناعها في تقديمها عن حسني مبارك والدائرة القريبة له، مثل مسلسلي «المزرعة» و«الفرعون»، وهي تجارب أراها محفوفة بالمخاطر.

أي عمل درامي يبنى على موقف واقعي ثابت.. مثلا بعد ثورة 23 يوليو (تموز) كان الواقع يشير إلى تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي في مصر واضح وجذري بلا أي التباس، وهكذا شاهدنا عشرات من الأفلام والمسلسلات التي رصدت ثورة يوليو. بعد ثورة يناير (كانون الثاني) كانت الأفلام التسجيلية هي الوسيلة المثلى للرصد، لأن الفيلم الوثائقي يتوقف عند مرحلة زمنية محددة أو يتناول حدثا بتفاصيله اللحظية، كما أن موقعة «الجمل» رُصدت في عشرات من الأفلام التسجيلية بل والروائية مثل فيلم «بعد الموقعة» الذي شارك رسميا في مهرجان «كان» في الدورة الماضية، والعديد من الأفلام الروائية كانت تأخذ لمحة من الثورة أو شعارا مثل «الشعب يريد» وتنسج حوله موقفا كوميديا مجرد استغلال تجاري للثورة. الآن الموقف بات أشد خطورة، لأن الناس لديهم خوف من القادم، وهم ليسوا في حالة نفسية مزاجية تؤهلهم لمشاهدة الماضي وإدانته مهما كان لديهم من وقائع لفساد استشرى وعائلة كانت تحيط نفسها بمجموعة من أصحاب المصالح الذين أحالوا الوطن إلى عزبة، إلا أن ما يعيشه الإنسان المصري منذ اعتلاء مرسي الحكم ينذر بكوابيس سوداء سكنت أحلام الثورة الخضراء.. لكن هناك من يعتقد أنه من الممكن إعادة صياغة ملامح مصر مرة أخرى وتلوينها قسرا بفرشاة «الإخوان».

هل من الممكن في هذه اللحظات المصيرية أن تلعب الدراما دورا في الرصد والتحليل؟! لو قلنا إن «المزرعة» كمسلسل درامي - والمزرعة هو اسم السجن - يقدم شخصيات ارتبطت بالحكم (صلاح رشوان يؤدي دور حسني مبارك، وأحمد راتب صفوت الشريف، ورجاء الجداوي سوزان مبارك)، فأي زاوية أو رؤية من الممكن أن تسيطر على فريق العمل؟! هل نقدم صورة من وقائع تنظرها المحاكم الآن؟.. فما الذي يحدث لو جاءت الأحكام تحمل براءة لعدد من رموز الفساد، كيف يصبح الحال دراميا؟.. كما أن لجوء الكاتب إلى حيلة أن يمنح الشخصيات أسماء رمزية مثل أن يصبح حسني فتحي أو يطلق على صفوت اسم رأفت حتى لا يقع تحت طائلة القانون فأراها وسيلة خائبة تجاوزها الزمن بزمن.

يحكمنا في إطلالنا على الماضي أننا نتابعه من خلال رؤيتنا للحاضر، لا تستطيع أن تقول بأن الزاوية محايدة. الناس يستعيدون شريط الماضي من خلال اللحظة الراهنة بكل ما تحمله من ضبابية وخوف من القادم المجهول.. الإنسان المشغول بقفزات الأسعار وتدهور سعر الدولار والانفلات الأمني والأخلاقي في الشارع، الخائف من الغد، لا يمكن أن يدين الماضي وحاضره ملتبس ومستقبله ملبد بالغموض. إنه مأزق طرحه الشارع وتعيشه الدراما!!