البيانات البيئية وصناعة قرار التنمية!

TT

قد يكون الحفاظ على البيئة عملا سهلا لا يحتاج إلى آليات معقدة، فمثلا إدارة استهلاك المياه في البيوت في حقيقته عمل بسيط ينتج عنه آثار إيجابية كثيرة في توفير المياه. هذا صحيح على مستوى الأفراد والمؤسسات، أما على مستوى الوطن، فيكون اتخاذ القرارات في إدارة شؤون البيئة مبني على أسس علمية ودراسات وأبحاث. بحكم عملي على رأس هيئة حكومية في مجال البيئة، أدرك بشكل خاص أهمية وجود بيانات كافية موثوق بها تسهم في اتخاذ قرارات سليمة، ووضع وتنفيذ سياسات مناسبة ذات صلة، وقابلة للتنفيذ.

إن حاجة المنطقة لوجود بيانات دقيقة يسهل الوصول إليها ويمكن من خلالها توفير معطيات سليمة وقابلة للاستخدام هي ملحة وفي غاية الأهمية لمساعدة صناع القرار على إدارة الشؤون البيئية ومراقبة الأداء البيئي. إلا أن التقنيات الجديدة المستخدمة في جمع البيانات لا تزال حكرا على عدد قليل من الدول ولا تتوفر لدى البلدان النامية القدرة على الوصول إلى هذه المعلومات وفهمها واستخدامها مما يخلق حاجة لسد الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية في ما يتعلق بسهولة الوصول إلى معلومات بيئية نوعية وكذلك للمساهمة في الأطر الدولية المختلفة.

تتزايد الحاجة للبيانات بشكل خاص عند البلدان النامية والناشئة. ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة ندرك ذلك. لقد فاقت وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الإمارات خلال الأربعين عاما الماضية قدرة الكثير من المؤسسات واستعداداتها لجمع واستخلاص البيانات البيئية، والمجتمعية، والاقتصادية اللازمة.

ثمة تحد آخر نواجهه اليوم، وهو أن البيانات والمعلومات والمعارف المتاحة غالبا ما تتوافر من منظور العرض ونادرا ما تتوافر من منظور الطلب. يبدو هذا بشكل واضح في البلدان النامية والناشئة حيث غالبا ما تختلف البيانات والمعارف المطلوبة بشكل تام عن البلدان المتقدمة التي أسفرت سنوات كثيرة من جمع البيانات وتحليلها وتفسيرها عن وجود مخزون ضخم من المعارف عن حالة البيئة والمجتمع والاقتصاد فيها. من هنا يتم تحديد الأولويات المطلوبة للحصول على مزيد من البيانات والمعارف والأدوات المستخدمة طبقا لما هو متاح بالفعل ولسد الفجوات القائمة.

وكنتيجة لعدم امتلاك البيانات الأساسية التي يمكن أن تستند إليها البلدان النامية والناشئة للحصول على تحليلات كافية وسليمة، يتم بناء «فرضيات» بالنيابة عنها ويتم وضع السياسات والتوصيات على أساسها.

أحد التحديات الرئيسة التي نراها لتحقيق «المستقبل الذي نريده» هو الاعتراف بأن الجميع لا يحتاج إلى نفس المعلومات والبيانات أو نفس الأدوات للمضي قدما نحو مستقبل أكثر استدامة. يجب أن تكون البيانات والمعلومات المطلوبة، والأدوات اللازمة للحصول عليها ونشرها، مصممة خصيصا لتلبية متطلبات واحتياجات كل منا، وأن تكون كافية للإطار المؤسسي الذي سيتم استخدام هذه المعارف من خلاله. ومن التحديات أيضا، فإن عملية جمع البيانات والمعلومات، وعلى نحو متزايد عملية تحليلها ونشرها، لم تعد تمتلكها مؤسسات متخصصة سواء حكومية أو غير حكومية. فيمكن الآن لأي شخص جمع ومشاركة وإرسال المعلومات والبيانات بشكل فوري. قد يرى البعض هذا الأمر على أنه شيء جيد، وقد يراه البعض الآخر أنه أمر سيئ، ولكن يجب على غالبية صناع القرار أخذه بعين الاعتبار.

تسعى مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية (أجيدي) إلى تعزيز تطوير واستخدام بيانات بيئية موثوقة وسليمة ذات جودة عالية. تم إطلاق هذه المبادرة بشكل جزئي استجابة لنتائج مؤشر الاستدامة البيئية لعام 2002 والذي أكد على حاجة المنطقة لتبني خطة لتحسين نتائجها، إذ أظهر التقرير نقص البيانات النوعية المتاحة في المنطقة وعنها. فجاءت مبادرة «أجيدي» كاستجابة جماعية وتعاونية عالمية للحاجة الماسة لجسر هوة البيانات والمعلومات البيئية التي تتسع على الدوام بين البلدان النامية والمتقدمة في إطار سعيها للوصول إلى بيئة صحية واستدامة شاملة. تعمل «أجيدي» مع الشركاء، والأعضاء، والأطراف ذات الصلة، في مختلف أنحاء العالم لتحقيق مستقبل أكثر استدامة من خلال الوصول إلى البيانات البيئية والمجتمعية بأفضل الوسائل.

منذ إطلاقها، قطعت مبادرة «أجيدي» شوطا كبيرا من جهة ملء الفجوات في البيانات البيئية داخل نطاقها من خلال تطوير منتجات تضع في اعتبارها دورة الحياة الكاملة لاستخدام المعلومات، من تحويل البيانات إلى المعلومات مفيدة يمكنها أن تعزز الآليات الوطنية والعالمية لمعالجة وتبادل المعلومات. نجاح مبادرة «أجيدي» ما كان ليتحقق من دون الشراكات المهمة التي دعمتها؛ فهيئة البيئة – أبوظبي دعمت البرنامج على المستوى المحلي، بينما كان برنامج الأمم المتحدة للبيئة شريكا أساسيا في تنفيذه على المستويين الإقليمي والعالمي. ويعمل برنامج «أجيدي» بشكل وثيق مع مكتب الأمم المتحدة للبيئة لمنطقة غرب آسيا لضمان سهولة الوصول إلى معلومات بيئية ذات جودة عالية.

نحن نحتاج لمزيد من المبادرات المماثلة في المنطقة والتي تساعد على تعزيز المنهج العلمي لإدارة الشؤون البيئية بفعالية أكبر، تعود بالنفع علينا وعلى مواردنا الطبيعية الثمينة وتسهم في ترسيخ الوعي بأهمية بناء تنمية مستدامة من أجل مستقبل أجيالنا القادمة.

* الأمين العام لهيئة

البيئة - أبوظبي