خريف العروبة..؟

TT

سؤال يحير الجميع وهو: من يتحمل مسؤولية حالة اللااستقرار والعنف والتمزق المتمادية في معظم دول العالمين العربي والإسلامي، اليوم، والتي كان عنوانها مؤخرا ما سمي بالربيع العربي، ولم تتوقف عن التفاقم بعده؟

هل هي الأنظمة السلطوية الديكتاتورية التي حكمت تلك الدول طويلا، فولدت الغضب والقهر في نفوس أبنائها؟ أم هو فشل هذه الأنظمة في تنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا مما أدى إلى اللااستقرار والغليان الاجتماعي؟ أم هي «المؤامرة الغربية - الإسرائيلية على العرب والمسلمين المتمادية منذ الحملات الصليبية حتى احتلال العراق وأفغانستان، مرورا بعصر الاستعمار»؟ أم أن السبب الحقيقي والأعمق هو «الإنسان» العربي أو المسلم في تفكيره ونفسيته ونظرته إلى العالم والمصير وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية؟ أم أن دخول البشرية عصرا جديدا من التواصل والتفاعل بين البشر، والتأثير المباشر لبعضها على بعض هو ما خض ولا يزال يخض، مصائر الشعوب التي تتميز بقابليتها للتأثر والانفعال، والعرب والمسلمون في مقدمها؟

من اعتماد الإجابة عن أي من هذه الأسئلة يتحدد موقف المتسائل وبالتالي يرتسم طريق الخلاص. فإذا كانت المسؤولية تقع على الأنظمة الديكتاتورية، فالعلاج والحل هو في إسقاط هذه الأنظمة (وهذا ما اتجه إليه ثوار الربيع العربي) وفي اعتماد الديمقراطية كنظام حكم، بصرف النظر عن شكلها أو تسميتها. أما إذا كانت المسؤولية تقع على «الغرب الاستعماري الصهيوني»، فالأولوية هي معاداة الغرب ومقاومته على كل الأصعدة. وذلك هو شعار التنظيمات الإسلاموية الجهادية. وأما إذا كان السبب - ولا نقول العلة - في عقلية ونفسية الإنسان العربي أو المسلم فإن الأولوية هي لثورة ثقافية تنفض عنهما عوامل الضياع أو العجز. وقد تكون الأصعب وقد تتطلب زمنا طويلا.

المشكلة الحقيقية هي في أن كل هذه الأسباب أو العلل تتشارك في الإطباق على الإنسان العربي والمجتمعات العربية والإسلامية، وفي تمزيقها، وبالتالي تتماهى الأولويات ويصعب العثور على حل أو علاج.

لقد انعقدت القمة العربية في الدوحة منذ أيام، وخرجت بمقررات ترسم الخطوط النظرية لبعض الحلول. ولكن هل رسمت الخطب والبيان الختامي دروبا إيجابية لإخراج العرب من دوامة العنف والضياع العالقين فيها؟ إن قطر مشكورة على ما تبذله من أجل خدمة القضايا العربية، الشعبية منها والدولية، ولكن جهودها لم تتغلب على الفراغ الواسع الذي يفصل بين مواقف الدول العربية من الحرب الأهلية في سوريا. ولا في إقناع فتح وحماس بتوحيد كلمتهم. ولا في بلورة موقف سياسي موحد من الحروب الباردة الدولية المتجددة في الشرق الأوسط. ولا في استرجاع مصر لدورها في العالم العربي. ولا في وضع وتنفيذ خطة عربية للأمن الغذائي وللمياه العربية وغيرهما من الأولويات الحياتية والاقتصادية الملحة. وما أكثرها، و ما أشد حاجة الشعوب العربية إلى إيجاد حلول لها.

لقد خف تصفيق العالم للربيع العربي بعد أن تحول إلى مصعد حمل الإسلاميين إلى الحكم. كما أن فتور أو تراجع الولايات المتحدة والغرب عن دعم الثوار في سوريا بالسلاح، إنما كان سببه الخوف من أن يقع هذا السلاح في أيدي جماعات إسلامية متطرفة. أولا يعني ذلك أن الولايات المتحدة والغرب الأوروبي والمجتمع الدولي عموما باتوا يفرقون بين «إسلام وسطي معتدل» و«إسلام جهادي إرهابي»، وأن المعركة بين هذين الاتجاهين السياسيين الجديدين، باتت فصلا جديدا محتملا يضاف إلى فصول النزاعات العربية الأخرى، القديمة والجديدة؟

هناك اليوم أحزاب وجماعات وتنظيمات سياسية - إسلاموية كثيرة ومتنافسة: «الإخوان المسلمون»، «السلفيون»، «القاعديون»، «الإسلام التركي»، «الإسلام الفقيهي الإيراني»، «الإسلام الطالباني الأفغاني - الباكستاني». يضاف إليها الانقسام السني - الشيعي المتسيس بل والمحتدم، وانقسام المسلمين بين عدة مذاهب، وعدة هويات وطنية وعرقية وثقافية. وليس بمستبعد أن تتحول هذه الانقسامات إلى حرائق صغيرة أو كبيرة بعد أن تقدم التيار السياسي - الإسلاموي، من الحكم في أكثر من بلد، فتسبق معركة الديمقراطيين ضد الإسلامويين، معارك على الحكم بين الإسلامويين المعتدلين أو نصف المعتدلين، والسلفيين الجهاديين؟

كل شيء يدل على أن الربيع العربي تحول في سوريا من ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة، إلى حرب أهلية. وعلى أن «ثمار» أو «عواقب» هذا الربيع باتت إلى حد ما، مرهونة بنتيجة هذه الحرب وبنوعية النظام السوري المقبل. وقد لا تأتي هذه الخاتمة قبل سنوات. هذا إذا لم يتحول هذا الربيع القصير العمر إلى خريف صراعات بين الإسلاميين على الحكم.

إن بعض القرارات التي أعلنتها قمة الدوحة كانت جريئة أو دلت على حيوية هذه المؤسسة الجامعة للدول العربية والممثلة للعروبة، كتمثيل سوريا بشعبها لا بنظامها، وكإنشاء صندوق للمحافظة على عروبة القدس، وكمشروع إعادة النظر في ميثاق الجامعة. ولكن هذه الوثبات لم تحجب الشعور العام على مستوى القيادات والشعوب بأن هذه القمة العربية كانت أقرب إلى خريف عربي، أو إلى حفل تأبين غير مباشر للعروبة.