تمام «تعظيم» سلام!

TT

تنفس اللبنانيون الصعداء سريعا نسبيا هذه المرة، وذلك بسبب حسم اختيارهم لشخصية رئيس الوزراء القادم لبلادهم.. فلقد رست الخيارات على شخصية تمام سلام ليكون المكلف بتشكيل رئاسة الوزراء القادمة.

نال تمام سلام مباركة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وتأييد «تيار المستقبل» صاحب الحضور المؤثر في البرلمان والشارع السياسي، وكذلك نال دعم وتأييد كتلة وليد جنبلاط المرجحة، وذات الشيء حصل مع كتلة طلال أرسلان الزعيم الدرزي المعروف، وتلاهم تأييد رئيس البرلمان نبيه بري الذي منح دعمه هو الآخر لتمام سلام، تلاه الجماعة الإسلامية، واتضح أن تمام سلام هو اختيار عقلاني ومتوازن جدا ينال قبول الأطراف مهما تباعدت سياسيا.

ولكن لأن البلد المتحدث عنه هو لبنان، فطبعا كان لا بد أن يظهر من يعارض ويعترض ويمتعض، وأهم تلك الأصوات كان العماد ميشال عون الذي تحفظ واعترض بشكل مضحك على اختيار تمام سلام، وأيده في الموقف سليمان فرنجية، ولم يبد حزب الله أي تأييد واضح للاختيار، فتمام سلام لم يكن اختياره الأول قط، فالتيار المحسوب والمقاد من قبل سوريا كان يرغب في اختيار «زلمة» يكون مسيرا ومنقادا بشكل كامل، ولكن تمام سلام له وزنه، فهو من أسرة سياسية عريقة ومن بيت بيروتي أصيل ومواقفه يضرب بها المثل في الوسطية والاعتدال في بلد يصعب فيه الوقوف على أرضية ترضي بها كل الأطراف.

تمام سلام هو نجل السياسي المخضرم الراحل صائب «بك» سلام، رئيس الوزراء الوطني المعتدل صاحب الشعار اللبناني السياسي الأشهر «لا غالب ولا مغلوب»، كان صائب سلام يدرك أهمية التوازنات الداخلية في بلاده ويعلم تماما نفوذ الدول والقوى الخارجية وأطماعها في بلاده، وتعامل مع كل ذلك بحكمة وعقل وخفة ظل وتوسيع صدر كبير حتى إبان فترة رئاسته للوزراء خلال حقبة الرئيس الماروني القوي العسكري فؤاد شهاب قبل أن يبلع كرامته أمام تسلط وحتى إهانات بعض مواقف وقرارات شهاب بحق سلام، وكان دوما يقول لبنان أهم ولا وقت الآن لمعارك جانبية، ولكن المقربين منه كانوا يعلمون تماما امتعاضه من تسلط فؤاد شهاب بالقرار وإنكاره لدور الآخرين بشكل مستفز. تربى تمام سلام في جو يكرس الإيمان بالروح الوطنية والوسطية والعيش السوي وعلى احترام الفرقاء قبل الأصدقاء. آمن بالعمل التربوي والاقتصادي فكرس جزءا مهما من حياته في رعاية المؤسسة الاقتصادية والتربوية والتعليمية الأهم والأعرق في لبنان «المقاصد الخيرية»، وهي التي تشرف على التعليم وطبابة وتدريب عشرات الآلاف من اللبنانيين، وكان خلال الفترات السابقة من التقلبات السياسية والدرامية في لبنان دوما الصوت الهادئ والعاقل والحكيم بلا ضجيج ولا إزعاج وعلى مسافة معقولة من الجميع حتى جاء «دوره» ووقته ورسا عليه الاختيار بكل جدارة وبمنتهى العقل. والدة سلام سليلة أسرة مردم بك الدمشقية العريقة، وبالتالي فعلاقته مع الجارة سوريا التي يسعى شعبها الأبي لنيل حريته واستقلاله من براثن النظام الدموي علاقة مصاهرة وتراحم وليست علاقة مصالح مؤقتة وآنية. يجيء تمام سلام إلى رئاسة الوزراء في لبنان في وقت حرج ودقيق، في وقت تغيرت فيه الظروف ولم يعد لكلمة «المقاومة» نفس المعنى الراقي والنقي القديم، ولم يعد لكلمة «الشقيقة الكبرى» نفس المعنى البريء النبيل، ولم يعد لكلمة «حكومة توافقية» نفس المعنى المثالي الأصيل، وسيظهر كل ذلك حينما يواجه تحديات التشكيل وإرضاء مختلف الشخصيات والتوجهات والطلبات والأهداف.. فلبنان لا يزال أسير الطائفية والعائلة والشخصية التي لا تزال تشكل ثقلا أهم وأكبر بكثير من ثقل لبنان كله. تمام سلام يجيء لرئاسة وزراء لبنان في وقت حرج جدا، وبقدر ما يستحق التهنئة على ذلك فهو يستحق أيضا منا الدعاء بالنجاح والتوفيق، فلبنان «واقف على دقرة».. الله يستر!