سبعة أيام في بغداد.. عاصمة الثقافة العربية

TT

ما إن تسلمت تلك الدعوة من د. عبد الرحمن دياب، مدير المركز الثقافي العراقي في لندن، لزيارة العراق وحضور افتتاح مهرجان «بغداد عاصمة الثقافة العربية»، حتى هللت للفكرة وحزمت ما خف من أمتعتي ورحلت، تحدوني غريزة حب الاطلاع.

رحلت في أواخر مارس (آذار) حين كانت بغداد تمر بمرحلة متوترة بعد انتفاضة الأنبار وتسلل جموع الجهاديين من سوريا، بما أفضى إلى سلسلة مؤلمة من التفجيرات الانتحارية. ولكنني أبيت ورحلت ودهشت. لم ألمس أي شيء من هذا التوتر والهلع والقلق. كان شارع الرشيد وشارع المتنبي وسوق السراي تغص بالجمهور، وبالعساكر المدججين ببنادقهم الأتوماتية وخوذهم الفولاذية وكل أجهزة الاستكشاف والاتصالات، وكأن الواحد منهم زائر من كوكب المريخ. توغلنا إلى حدائق وساعة القشلة ورأينا الناس، نساء وأطفالا، يشاركوننا التفرج والاستمتاع بمنظر دجلة وشمس الشتاء العراقي الدافئة. دخلنا مقهى الشابندر الشهير مزدحما كالعادة بالزبائن، شعراء وأدباء وفنانين. جلسنا وشربنا الشاي «السنكين» والشاي الحامض. «أعوذ بالله! نأخذ ثمن شاي من ضيوف بغداد»، قال القهوجي. قلت له هذه اللوحة تقول «مقهى الشهداء» وليس مقهى الشابندر. قال نعم، اقترح البعض تغيير الاسم بعد قيام الإرهابيين بنسف المقهى، مما أدى إلى مقتل ثلاثة وجرح آخرين. كانت الجدران مغطاة بشتى التصاوير التاريخية، ومنها صورة نادرة للورنس العرب بثياب امرأة، كما تقمص عندما توغل سرا إلى دمشق خلال الحرب العظمى.

ضمت مجموعتنا السير ترنس كلارك، السفير البريطاني السابق. انشغل بهذه التصاوير وأضاع نفسه وانفصل عنا. راح يدور عنا بين الناس. لم يتعرض لأي إزعاج أو مضايقات غير هذا السؤال من بعض الشباب: «مستر! ممكن تساعدني أحصل على فيزة هجرة لبلدكم؟»، وهو ما تعرضت أنا أيضا له. «آسف. ما أقدر أساعدك! ولو أقدر كنت حصلت على فيزة هجرة لكل الشعب العراقي!» ضحك الرجل.

«أنت تتكلم عربي مظبوط. وأحسن من صاحبك هذا».

«ليش لا؟ أنا ولدت بسوق الجديد بالكرخ.. دربونة التعلوانة!».

وجاء دوري لأضحك.

تجولنا بين مجموعات الكتب المعروضة على أرصفة الشارع. كانت كتبا في شتى المواضيع ومن سائر الاتجاهات والفلسفات، بما فيها نظرية التطور لداروين. جعلتني أتذكر كلمات نوري المالكي عندما قال لا يوجد في العراق أي سجين اعتقل بسبب آرائه. قلت لنفسي يا ليت. فكم سمعت مثل هذه الكلمات من حكامنا. ولكنني شعرت بشيء من المصداقية في كلمات رئيس الحكومة. لم يعد الفكر الحر أسيرا بيد السلطة، وإنما بيد الجهالة.

قضينا المساء نتناول السمك المسقوف في شارع أبي نواس، حيث انضم إلينا وزير الثقافة د. سعدون الدليمي، فتحدث لنا عن مشاريعه وسعيه المتواصل لإعادة الحياة الحرة والحضارية لعاصمة هذا البلد المعذب دون ذنب جناه. وكان منها قيامه بإعادة فتح مدرسة الباليه، خير إعلان عن تقدم المرأة العراقية وتحررها.