للدفاع عن النفس.. الأردن يدخل مضطرا دائرة الأزمة السورية!

TT

هناك سؤال خطير وكبير بدأ يتردد الآن في كل مكان هو: هل تخلى الأردن يا ترى عن موقف الانتظار إزاء الأزمة السورية الخطيرة والمستفحلة التي باتت تهدد المنطقة كلها؟.. وهل هو لم يعد قادرا على الاستمرار لا في سياسة النأي بالنفس ولا بسياسة وضع اليد فوق العينين حتى لا يرى كل هذه التحديات الفعلية والحقيقية التي أصبحت تقف على حدوده وتهدد أمنه واستقراره.. وربما أيضا بقاءه ككيان وكدولة..؟!

قبل أيام قليلة اتهمت بعض وسائل الإعلام السورية، التي كلها حكومية، الأردن بأنه «يلعب بالنار بدعمه للمعارضين السوريين»، وقالت هذه الوسائل الإعلامية: «إنه، أي الأردن، يضع نفسه في فوهة بركان أزمة سوريا»، وهذا في حقيقة الأمر ترجمة غير دبلوماسية لما كان قاله الرئيس بشار الأسد في مقابلة مشتركة مع قناة «أوصال» وصحيفة «ايدنليك» التركيتين بادر إلى بثها المكتب الإعلامي الرئاسي السوري على موقع التواصل الاجتماعي الـ«فيس بوك» الخاص به. فقد قال بشار الأسد وعلى طريقة «إياك أعني وافهمي يا جارة»: «الكل يعرف أنه إذا حدث في سوريا اضطراب يصل إلى مرحلة التقسيم أو سيطرة (القوى الإرهابية)!! أو كلتا الحالتين فإنه لا بد من أن ينتقل هذا الوضع مباشرة إلى الدول المجاورة أولا، وبعد ذلك بتأثير ما يسمى (الدومينو) ربما إلى دول بعيدة في الشرق الأوسط». وقد أضاف الرئيس السوري: «إن الأمر يعني إيجاد حالة من عدم الاستقرار (في هذه المنطقة) لسنوات وربما لعقود طويلة».

إن هذه تهديدات مباشرة وواضحة كان يجب أن يأخذها الأردن بعين الاعتبار، وبحيث لا يبقى يضع رأسه على أريكة من ريش النعام، ولا يواصل سياسة النأي بالنفس المُكلفة جدا وسياسة وضع كف اليد على العينين حتى لا يرى الحقائق التي باتت تهدده وغدت بمثابة ذئب كاسر مكشر عن أنيابه يقف أمامه وجها لوجه. والمسألة هنا ليست تدخلا في الشؤون السورية الداخلية، وإنما هي دفاع عن الكيان وعن الأمن والاستقرار، بعدما وصلت الأزمة السورية المرعبة فعلا إلى ما وصلت إليه، وبعد كل هذه التهديدات المشار إليها آنفا التي أطلقها بشار الأسد والتي كان أطلق مثلها وأعنف منها سابقا وفي مناسبات كثيرة.

إنه من غير الممكن أن يبقى الأردن يتخذ موقف المتفرج، وأن يواصل سياسة النأي بالنفس، بينما تجاوزت أعداد اللاجئين السوريين إليه المليون لاجئ، وبينما تشير التقديرات كلها إلى أن هذه الأعداد ستصل حتما إلى الملايين إذا بقي نظام بشار الأسد يتصرف على هذا النحو، وإذا بقي يفعل ما يفعله مُختطِفُ طائرة يزنّر نفسه ويحيط خصره بالقنابل الموقوتة، ويمسك بيديه رشاش «كلاشنيكوف» يصوب فوهته نحو صدور ورؤوس ركاب أبرياء لا ذنب لهم سوى أن قدرهم جعلهم يستقلوا طائرة غدت مخطوفة.

كيف من الممكن أن يبقى الأردن، الدولة التي تربطها بجارتها الشمالية الشقيقة حدود طولها أكثر من 150 كيلو مترا، صامتا يتخذ موقف المتفرج بينما صدى القذائف والصواريخ «الباليستية»، التي يرتكب بها بشار الأسد مذابح جماعية ضد شعب من المفترض أنه شعبه ويدمر مدنا وقرى سورية تدميرا عشوائيا، يكاد يصل إلى عاصمته عمان ويقلق ليل عدد من مدنه الرئيسة كـ«المفرق» التي يقع في جوارها مخيم «الزعتري» للاجئين السوريين، وكـ«الرمثا» المتداخلة جغرافيا وديموغرافيا مع «درعا» السورية، وأيضا كـ«إربد» وعجلون ومدينة جرش الأثرية التاريخية الشهيرة؟!

هل تستطيع أي دولة في الكرة الأرضية أن تبقى مسترخية وأن تسلّم شعبها وأمنها واستقرارها ونفسها وكيانها وحاضرها ومستقبلها لأخطار فعلية غدت محدقة وباتت تقف على الأبواب بالفعل، خاصة عندما يلجأ رئيس هذه الدولة الشقيقة المجاورة التي لا تبعد عاصمتها دمشق عن الحدود الأردنية إلا نحو سبعين كيلو مترا فقط إلى كل هذا التهديد وكل هذا الوعيد، وعندما يقول أكثر من مرة على مدى العامين الماضيين منذ انطلاقة شرارة هذه الثورة المتصاعدة في مارس (آذار) عام 2011 إن الأوضاع التي باتت تعيشها سوريا سوف تنتقل «مباشرة» إلى الدول المجاورة؟.. وحقيقة إن المقصود هنا هو الأردن، ولبنان بحدود معينة، فتركيا دولة تشكل قارة حقيقية من الناحية الجغرافية، وهي محمية بكونها عضوا رئيسيا في حلف شمالي الأطلسي، وحيث يعتبر جيشها من أكبر جيوش هذا الحلف، بل وجيوش هذه المنطقة. إنه لا يحق لكائن من كان، سواء من الأردنيين أو الأشقاء العرب أو من الأصدقاء في طول الكرة الأرضية وعرضها، أن يطلب من الأردن أن يغض النظر عن كل هذه الأخطار التي تهدد شعبه وأمنه واستقراره وكيانه، وألا يلجأ للدفاع عن نفسه إلى ما يسمى في العلم العسكري «الدفاع الإيجابي»، وأن يواجه كل هذه التهديدات، التي تصله عبر مئات الألوف من اللاجئين إليه وعبر أصوات هدير المدافع والصواريخ وأيضا عبر تصريحات بشار الأسد المتكررة، خارج حدوده إن من خلال «المنطقة العازلة» التي يجري الحديث عنها، وإن من خلال مواجهة «الخصم» على ساحته وأيضا، وإنْ من خلال دعم المعارضة السورية بكل وسائل الدعم التي هي الخصم الفعلي لهذا الخصم.

عندما يكون هناك نظام بائس ويائس، مدعوم من قبل روسيا ومن قبل إيران بكل وسائل الدعم وحتى بالمشاركة العسكرية على الأرض، يصر ويواصل الإصرار على رفض أي حل سياسي لا يضمن بقاءه واستمراره أكثر مما استمر، وعندما يواصل من يقف على قمة هذا النظام، الذي أورثه الوالد إلى الولد، تهديداته بنقل ما يجري في سوريا إلى كل دول المنطقة.. فهل يُلام الأردن إذا بادر إلى ما يسمى «الدفاع الإيجابي» المتمثل في مواجهة هذه التهديدات ليس على أرضه وإنما وعلى أرض مطلقي هذه التهديدات وأن يسعى جديا، مستعينا بالأشقاء وبالأصدقاء، إلى إقامة منطقة عازلة على الأراضي السورية المتاخمة لحدوده وأن يلجأ إلى دعم المعارضة بكل ما يستطيعه من دعم وفي مقدمته الدعم العسكري المباشر الفعلي وغير المباشر؟!

إن هذا البلد لم يعد يملك لا ترف النأي بالنفس ولا ترف الانتظار إلى أن تصل ألسنة النيران إلى أقدامه، كما أنه لا يستطيع أن يغمض عينيه عن كل هذا الذي يجري حوله وبالقرب منه وحيث بات الجنود الإيرانيون يقاتلون دفاعا عن نظام بشار الأسد حتى في دمشق نفسها، وحيث تُواصل موسكو خوض المعركة إلى جانب هذا النظام عسكريا وسياسيا وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن وفي كل مكان، وأيضا حيث تستمر روسيا في إرسال المدمرات البحرية وسفن الإنزال الكبيرة البرمائية إلى الشواطئ السورية وإلى ميناء طرطوس السوري، وكل هذا بحجة حماية المصالح الروسية. لقد بقي الأردن يعض على الجرح، وبقي يصبر كصبر أيوب على مدى السنتين الماضيتين، وقبل ذلك، لكنه وقد أصبح مهددا بما يجري في هذه الدولة الشقيقة المجاورة وعلى هذا النحو، وقد غدا أيضا مهددا بالفعل بأن تصبح إيران بنفوذها ووجودها العسكري على حدوده الشمالية، فإن من حقه أن يدافع عن نفسه، وإن من حقه أن يدعم المعارضة السورية وأن يدربها ويسلحها وأن يتحالف مع كل من يستطيع التحالف معهم للدفاع عن نفسه وعن شعبه وعن أمنه واستقراره وحتى عن كيانه ككيان إزاء كل هذه الأخطار التي يراها رأي العين، وإزاء كل هذه التهديدات التي يسمعها الآن والتي بقي يسمعها على مدى العامين الماضيين وقبل ذلك!