النصب باستخدام الآثار

TT

رسالة مشبوهة تأتي على الجوال يقول نصها بالعامية المصرية: «يا محمد أمك عايزاك تيجي البلد على الفور علشان تقسم تركة الآثار!». وترسل الرسالة إلى أي رقم هاتف جوال وكأن الراسل أرسلها عن طريق الخطأ إلى الشخص غير المقصود، وهذا ما يراد به إيهام الضحية الذي قد يفعل واحدة من ثلاث: إما أن يقول هذه رسالة وهمية ويتجاهل الرد وفي هذه الحالة ينتهي الأمر بمجرد حذف الرسالة من الهاتف، أو يقوم بتصديق المحتوى ويلمع بريق الذهب في رأسه ويبدأ في تخيل هذا الكنز ويقول في نفسه ولمَ لا فلنجرب حظنا. هنا يبدأ الضحية في الاتصال بالرقم الملحق بالرسالة ويبدأ في عرض خدماته للدخول في موضوع تصريف الآثار، حيث يدعي الطرف الثاني أن عائلته عثرت في أرضها أو أسفل منزلها على كنز أثري به تماثيل ولوحات وتمائم، والمشكلة أنهم لا يعرفون كيفية تصريف أو بيع هذا الكنز، ولذلك أرسلوا الرسالة إلى أخيهم بالخارج ليعاونهم في هذا الموضوع. وهكذا يبتلع الضحية الطعم ويبدأ في السؤال عن مكان الآثار وأنه يريد رؤية الآثار بنفسه لكي يطمئن إلى جدية الموضوع، وعلى الفور يقومون بعرض آثار مزيفة على الضحية، تليها خطوة الفصال في الثمن، وأخيرا الاتفاق والبيع لتكون المحصلة النهائية نجاح مجموعة النصابين في الاستيلاء على أموال الضحية، الذي في أحيان كثيرة إما أن يستدين وإما أن يدخل مجموعة من أصدقائه أو أفراد عائلته معه كشركاء لتكون المصيبة أكبر وأعم!

المشهد يتكرر كثيرا وبنفس السيناريو.. يأخذ الضحية الآثار المزيفة ويبدأ في البحث عن خبراء لتثمين البضاعة، لكنه يفاجأ بآثار مزيفة لا تساوي ثمن التراب وأنه وقع ضحية نصابين محترفين، وبالطبع الأسماء التي يعرفها هي أيضا مزيفة، وكذلك أرقام التليفونات والأماكن وكل شيء تقريبا. ولا يجد الضحية أمامه سوى إما إبلاغ الشرطة، وإما التزام الصمت والعيش مع الندم. وعلى الرغم من المأساة فأنا لا أتعاطف إطلاقا مع الضحية لأسباب لا أعلمها تماما! ربما لأن الضحية قادة طمعه ورغبته الجشعة في تحقيق الثراء السريع السهل. أو ربما لأنه لم يجد حرجا من الاتجار في الآثار، وربما للسببين معا.

مسألة النصب باستخدام الآثار منتشرة هذه الأيام في مصر وعلى نطاق كبير، وقد وجد النصابون الفرصة سانحة لهم مع انشغال الشرطة في المظاهرات والاعتصامات، وكذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. ولا يكاد يمر يوم دون أن أتلقى مكالمة من صديق أو قريب يخبرني فيه أنه وصلت إليه رسالة من مجهول.. ويبدأ في سرد القصة. ليس هذا فحسب، بل إنني أصبحت أعرف ما سيحكيه لي أي إنسان عندما يبدأ حديثه معي قائلا: دكتور! جئت لأتحدث معك في موضوع مهم يجب ألا يعرفه أحد، هنا أقوم أنا بقص الحكاية له من أول الرسالة التي وصلت إليه عن طريق الخطأ وحتى نهاية القصة فينهار صاحبنا من الضحك.