ولا الضالين.. آمين

TT

قد يبدو هذا الموضوع مزعجا أو شائكا، وقد سبق لي ولغيري أن خضنا به، وتمنينا علاجه بالتي هي أحسن، على طريقة (لا يموت الذئب ولا تغني الغنم).

وأقصد به ظاهرة أصوات (الميكرفونات) المرتفعة في المساجد بطريقة غير مدروسة، ويلمس هذا كل من يسير في شوارع القاهرة أو الرياض على سبيل المثال وقت رفع الأذان وتلاوة الصلوات، ولكي لا يفهمني أحد خطأ، أو يحملني ما لا أحتمل، أسارع بالقول: إلى أنه ليس هناك أروع على المؤمن من سماع الأذان، ولا أحب إلى القلب الخاشع من سماع تلاوة القرآن، هذا أمر لا جدال فيه، الاختلاف فقط هو في كيفية السماع، وهل من الحكمة المبالغة به إلى درجة تكاد تصل إلى التنفير؟

وتعبنا ونحن نقول: إن الكثير من المنازل لا تخلو من المرضى والعجزة والأطفال الرضع، وكلهم في حاجة قصوى إلى الراحة، فما ذنبهم لكي نقض مضاجعهم بارتفاع الأصوات؟!

والقرآن الكريم وهو كلام الله تعالى، لو أنك تلوته من ميكرفون وزعقت به ووضعته على أذن إنسان لقفز لا شعوريا من شدة الرعب، لهذا نهى المولى عز وجل عن المبالغة بالجهرية حتى قبل اختراع المكبرات.

وهناك مقاييس عالمية وصحية تحذر من وصول الأصوات لدرجة (90) دسيبل، فما بالكم لو أنها وصلت إلى درجة (120) دسيبل، وهذه للأسف هي الدرجة التي تبثها الغالبية العظمى في المساجد.

ثم إنني لا أدري أيضا عن ماهية الحكمة بأن تنقل الصلاة الجهريّة بواسطة الميكرفونات للخارج ولا تقتصر فقط على داخل المسجد، خصوصا أن الشوارع قد تمتلئ أثناء ذلك بالناس الذاهبين والغادين، وبعضهم يثرثرون، أو يتفاكهون، أو يتمازحون، أو يتشاتمون، أو يسمعون الأغاني، مع أنه إذا قرئ القرآن فمن الواجب الاستماع والإنصات له، ونحن في هذه الحالة لا نعطي القرآن حق قدره من الاحترام دون أن ندري.

وطرأت في الأعوام الأخيرة ظاهرة التهافت على صلاة (التراويح) في شهر رمضان المبارك، وقد تكون تلك ظاهرة صحية لو لم يبالغ بها إلى الحد الذي يكاد يتفوق على صلاة الفروض، مع أن (التراويح) سُنة إذا صلاها المؤمن يؤجر عليها، وإذا تركها لا يأثم، وطوال أدائها تتكدّس السيارات حول المساجد وبالطرقات، وتأخذ الميكرفونات أقصى مداها بارتفاع الأصوات، وكأنها تتبارى أو تتحدى بعضها بعضا.

وأعرف مجمعا سكنيا يقطنه أجانب مع عوائلهم، وهو غير بعيد عن أحد المساجد، تعمدت شركتهم بناء على طلبهم أن تعطيهم إجازتهم السنوية في كل شهر رمضان.

ويروي الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه (الفقيه الفضائي) قصة جرت أحداثها في الثلاثينات من القرن الماضي عندما تم تركيب مكبرات صوت في الحرم المكي الشريف، حيث ثار الناس على ذلك الاختراع الجديد وعلى رأسهم الشيخ (النقشبندي) الذي حرّمه على الفور، ثم راح يرشقها بالحجارة، وعندما عجز عن (إنكار المنكر بيده) كما ورد في الكتاب، فإنه هاجر إلى الطائف.

وفي سنة من السنوات كنت في مدينة (أبو عريش) في منطقة جازان، ودخلت إلى أحد المساجد لتأدية الصلاة، وبينما كنا على وشك النهاية نقرأ التحيات في التشهد الأخير، وإذا بصوت يكاد يخرق طبلة أذني يقرأ الفاتحة وما أن قال الإمام: ولا الضالين، حتى جاوبته أنا دون أن أنتبه على حالي قائلا: آمين، واتضح لي بعد أن خرجت أن هناك مسجدا مقابلا للمسجد الذي صليت به، ولا يفصلهما عن بعضهما البعض غير شارع عرضه (12) مترا، وكلا منارتيهما تمتلئ بالميكرفونات، والحمد لله.