عن رفات نيرودا ولوركا وعرفات

TT

نبشوا رفات بابلو نيرودا في تشيلي بعد 40 عاما لكي يعرفوا إذا كان توفي بالمرض أم بالسم. وعام 2008 نبشوا رفات غابرييل غارسيا لوركا الذي أعدم بالرصاص عام 1936 لكي يعرفوا إذا كان الرفات رفاته أم رفات سواه. الأول شاعر الإسبانية الحديث، والثاني شاعر إسبانيا المعاصر. وكان اللاتينيون قد نبشوا في آثار بطلهم سيمون بوليفار وفي آثار الرئيس التشيلي وصديق نيرودا، الدكتور سلفادور الليندي، لمعرفة ما إذا كان انتحر حقا أم قتل. لم يحدد فحص الحمض النووي شيئا بعد. وإذا استطاع أن يحدد فماذا سوف يكون الفرق؟ فقط، إهانة الذكرى والرفات.

إذا كان الجنرال أوغوستو بينوشيه هو الذي سمم شاعر بلاده، فالاثنان غابا منذ وقت طويل. وإذا كان الجنرال فرانكو قد وارى الثرى ترابا غير تراب لوركا، فما هو الفرق؟ لا الأول استطاع أن يقتبل مكانة نيرودا وسحره، ولا الثاني استطاع أن يطفئ شعلة شاعر الأندلس. ديكتاتوران ماتا باللعنة والعزل، وشاعران ماتا بمجد الشعوب والشعر.

سُئل ديغول مرة عن شاعره المفضل فقال: «لا تزعجوا ذكرى أولئك الحالمين». الإسبان ينبشون قبورهم. لم أكتب عن فحص رفات ياسر عرفات من قبل، احتراما لحزن أرملته وابنته. لكنني ضد إهانة المثاوي الكبيرة لأي سبب. فهل سوف يزيد في شهادة عرفات أنه مات بالسم، ولم يمت بالعزل الشاروني أو بالإهانة العربية؟ هل لو مات على سرير العمر بدل سرير المستشفى العسكري الفرنسي، لا يكون أمير شهداء فلسطين؟

يفيد اكتشاف الـ«DNA» في الجرائم العادية.. وسيلة تساعد المحققين في تحديد مجرم أو في تبرئة بريء. أما لو كان عرفات مات بالقضاء، فهل يبرئ ذلك آرييل شارون الذي حاصره في غرفة نومه بالدبابات؟ لقد قال شيمعون بيريس إن عرفات قد قتل، فماذا زاد ذلك في جريمة القاتل أو شهادة الشهيد؟

عاش عرفات شهيدا أكثر بكثير مما مات. واحتراما للشهادة الكبرى في حياته، لا في موته، كان ينبغي ألا يزعج أحد سكينته. أما الحمض النووي فقد جعل عرفات يبدو في حاجة إلى تقرير طبي من أجل أن يعلن «شهيدا شهيدا شهيدا».

تخيل بأي لغة تقريرية سوف يكتب عن نيرودا، الذي كتب بلغته الشعرية: «أحبك، من دون أن أعرف كيف أو أين أو من أين. أحبك ببساطة. من دون عقد أو كبرياء. أحبك هكذا لأنني لا أعرف طريقة أخرى لكي أحبك، إلا هكذا، حيث لا أنت ولا أنا، بصورة حميمية مطبقة لدرجة إن أنتِ وضعت يدك على صدري فهي يدي، وإذا غفوتُ فإن عينيك تُغلقان»؟!