سعوديون في المهجر!

TT

حديث السعوديين المتواصل منذ أسابيع هو عن وضع العمال والموظفين المقيمين بينهم، وحملة إصلاح أوضاعهم بشكل نظامي، ولكن هذا الحديث يكاد يطغى على حديث آخر لا يلقى الأهمية نفسها رغم تحول الموضوع إلى حالة تستحق التمعن والاهتمام ومعرفة أبعادها، والموضوع المقصود هنا هو مسألة السعوديين في المهجر.

السعوديون يترحلون إلى بلاد الله منذ زمان بعيد، فلقد ارتحلوا إلى بلاد الشام ومصر في الظاهرة التي باتت يشار إليها «بالعقيلات»، وهي تصور رحلات طويلة للتجارة بين أهل منطقة نجد وبلاد الشام ومصر للاتجار بشكل أساسي في المواشي، وكذلك تكونت أيضا ظاهرة «الزبير»، وهي المنطقة المعروفة في العراق، وإليها رحلت أعداد كبيرة من الأسر السعودية واستوطنوها للعلم وللتجارة عبر فترات من الزمن، ولم يقتصر السفر والترحال على هذه المناطق، ولكنها وصلت لأوروبا والهند وأستراليا وأفريقيا والأميركتين، حتى بات من المعتاد جدا مشاهدة مصرفيين ومهندسين ومحاسبين وتجار ومحامين وأطباء سعوديين بنجاحات لافتة في أراضي الله الواسعة حول دول العالم.

وهناك دول لديها بالفعل ما يمكن أن يسمى بالجاليات السعودية في المهجر، وبات لها محلات البقالة الخاصة بها ومطاعمها وأسواقها، فهم باتوا شرائح مستهدفة للخدمة مع التركيز على وجود بعض «الجيوب» الأكثر تركيزا، فالجالية السعودية في مصر تعتبر الأضخم خارج البلاد، وهناك أرقام متفاوتة ما بين 200 ألف و400 ألف، والأمر مدهش أيضا في الكويت التي لديها جالية سعودية تفوق الـ100 ألف، ودبي التي تخطى عدد السعوديين فيها الـ50 ألفا، مع عدم إغفال مناطق إندونيسيا ولندن وأميركا ولبنان والأردن، التي لديها أرقام مهمة ومثيرة.

السعوديون في المهجر باتوا ظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية، وكل فترة وأخرى أقابل أو أسمع عن قصة مهمة ومثيرة تستحق الإبراز، وآخر هذه الحالات لشاب سعودي من مكة المكرمة في الثلاثينات من عمره اسمه لافي المقاطي، كان لاعب كرة القدم بناشئي نادي الوحدة، إلا أنه أصيب بكيس دهني في عموده الفقري اضطره لإجراء إحدى العمليات الجراحية المعقدة، أصيب على أثرها بالشلل النصفي، وسافر إلى جمهورية التشيك لاستكمال العلاج، وهناك قرر بدء رحلة الأمل وعلاج نفسه على نفقته، وقرر إكمال دراسته بالتشيك، وأتقن اللغات الثلاث بطلاقة: العربية، والتشيكية، والإنجليزية، وتزوج تشيكية مسلمة وفتح مكتبا للتجارة، وكان يعاون من يريد القدوم للعلاج هناك، ويؤجر لهم شققا مفروشة، وسيارات تملكها وأجرها بالتدريج، وبعدها قرر إطلاق موقع إلكتروني إخباري متخصص باسم «التشيك اليوم» باللغة العربية، مادا جسور الثقة بين التشيك والعرب، ولقد لقي في التشيك ذلك البلد المضياف الأوروبي العريق، كل دعم وترحيب، وكان واجهة مشرفة جدا للشعب العربي السعودي، الذي يكافح ويعمل بجدية. وكقنصل فخري للتشيك لدى السعودية دوما ما أسعى لإبراز أوجه الدعم في العلاقات بين السعودية والتشيك، وقد انبهرت بقصة لافي، وأجد فيها العبر الكافية التي تستحق أن تصبح فيلما وثائقيا وكتابا للأجيال بدلا من إبراز شخصيات من الماضي القديم.

هناك قصص نجاح عظيمة لسعوديين في المهجر، وقصة لافي واحدة منها يجب إبرازها.