قرار حكيم

TT

بصرف النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع سياسات بيل كلينتون، فان ما يكاد يجمع عليه مراقبون كثيرون هو ان الرئيس الاميركي يتصرف في الشهور الاخيرة من رئاسته على نحو عملي. احد الامثلة الاخيرة على ذلك القرار الحكيم الذي اتخذه كلينتون بأن يترك لخليفته مسألة حسم مصير البرنامج العسكري المثير للجدل، والمعروف باسم «الدرع المضاد للصواريخ». والجدير بالذكر ان الفكرة ظهرت خلال عهد الرئيس الاميركس الاسبق رونالد ريجان في اوائل الثمانينات، وكانت تهدف الى تطوير «مظلة» تغطي الولايات المتحدة وتضم شبكة من معدات تدمير الصواريخ قادرة على اعتراض اية صواريخ وتدميرها قبل ان تصل اهدافها في الولايات المتحدة. وبينما اطلق المؤيدون على البرنامج اسم «مبادرة الدفاع الفضائي»، فان معارضيه اسموه «حرب النجوم».

وعندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، بدا لكثيرين ان هذا المشروع لم يعد ضروريا. وفي عام 1996 اقر كلينتون نسخة معدلة من البرنامج في خطوة وُصفت انها محاولة لمساعدته على اعادة انتخابه. واعيدت تسمية البرنامج فصار «شبكة الدفاع الصاروخي الوطنية». بيد ان منتقدي البرنامج واصلوا انتقاداتهم له مؤكدين انه مجموعة مشاكل تقنية ومالية وديبلوماسية اكثر منه استراتيجية حقيقية من الناحية العسكرية. ويشير هؤلاء الى ان تكلفة المشروع ارتفعت الى ثلاثة اضعاف التقدير الاصلي، وانه من بين سبعة عشر اختبارا فنيا اجريت، حققت ثلاثة فقط درجة من النجاح.

يضاف الى ذلك ان المشروع يواجه معارضة حادة خارج الولايات المتحدة، وليس فقط من روسيا والصين، بل ايضا من بعض حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي. ومعروف ان بين اعضاء «الناتو» من يخشى انه اذا ضمنت اميركا مناعتها التامة ضد الغارات الصاروخية، فانها لن تهتم بالدخول في صراع من اجل ضمان دفاعات اوروبا.

لقد كان قرار كلينتون ترك القرار النهائي بشأن هذا المشروع الى خليفته خطوة حكيمة. فالرئيس الاميركي المقبل سيجد متسعا من الوقت لاتخاذ القرار المناسب في شأن لا يهم اميركا وحدها، خصوصا ان انتشار التكنولوجيا الباليستية يعتبر عنصرا جديدا لعدم الاستقرار في اماكن مختلفة من العالم، بالاضافة الى ان التسبب في سباق جديد للتسلح بين الدول الكبرى سيضعف الامن والاستقرار الدوليين.