الأمم المتحدة من مؤتمر الأديان إلى حوار الحضارات

TT

تيد تيرنر رجل سعيد هذه الايام. فالاميركي الذي اسس شبكة «سي ان ان» واصبح واحدا من اغنى الشخصيات في الوسط الاعلامي، انفصل عن زوجته الممثلة جين فوندا وانتقل للحياة مع صديقته الجديدة والاصغر سنا. غير ان ذلك ليس السبب الرئيسي لسعادته. بل هو استكمل لتوه رئاسة اول مؤتمر دولي عن الاديان يعقد تحت رعاية الامم المتحدة في نيويورك. وقد جمع المؤتمر الالاف من الشخصيات الدينية والمتطرفين من جميع انحاء العالم.

ويدين تيرنر برئاسته لهذا المؤتمر الفريد من نوعه الى كرمه. ففي العام الماضي كتب صكا بمليار دولار للامم المتحدة، وهو مبلغ يكاد يساوي المبلغ الذي تدين به اميركا للهيئة الدولية. كما دفع جزءا كبيرا من تكاليف عقد هذا المؤتمر. ويعتقد تيرنر، بالرغم من عدم تدينه، ان الدين بالاضافة الى الادوار التقليدية الاجتماعية والثقافية في عديد من الدول، له اهمية كبرى في العالم المعاصر.

وقد جرى تحديد لمعنى الدين بطريقة مرنة لكي يمكن جمع اكبر قدر من الناس. ولمنع ازدحام المؤتمر بطوائف دينية لا اول لها ولا اخر. فقد حدد المنظمون شرطين فقط. فلم يسمح بالاشتراك للطوائف الدينية التي يقل عمرها عن 100 سنة، ولا لتلك التي لا يزال مؤسسوها على قيد الحياة. ويعني هذا ان طوائف معاصرة مثل المونيز، واتباع رون هابارد، وما يماثلها، لم تشارك في المؤتمر بالرغم من ان عدد اعضاء كل منها يزيد على المليون في جميع انحاء العالم. وبدلا من ذلك، فإن بعض الطوائف التي لا يزيد عدد اعضاء كل منها على عدة الاف دعيت للمؤتمر لان الاديان التي تتبعها قديمة واسستها شخصيات تحللت في ضباب التاريخ والاسطورة. وتجدر الاشارة الى ان تشكيل المؤتمر كان لافتا للانتباه، وذلك لعدة اسباب:

ـ اولا، لانه اجتاز السياسات المحلية. فعلى سبيل المثال جلس الملالي الايرانيون الذين حضروا بتعليمات من «المرشد الاعلى» الى جانب البهائيين المحظور نشاطهم في ايران. وجلس المرشدون الهندوسيون الى جانب المشرعين المسلمين الباكستانيين الذين يعتقدون ان الهندوسية ليست دينا. ووجد اليهود انفسهم في صحبة طوائف مسيحية لا تزال تعتبر قتل المسيح مؤامرة يهودية. وجلست في مقعد الامين العام للمؤتمر امرأة من طائفة الجين في غرب الهند، بينما ساعد عشرات من ابناء الطوائف والديانات من جميع انحاء العالم في تشكيل اجندة التجمع.

وكان لافتا ايضا قرار المنظمين عدم تحديد الدين على الاطلاق. وكان الاتفاق الضمني هو ان «الدين هو ما تعتقد انت انه دين». ويعني هذا اتفاقية ضمنية على ان كل الاديان ذات قيمة متساوية، وهو الامر الذي رفضه الجميع حتى الان. والاهم من ذلك، هو ان المؤتمر توصل الى ضرورة ان يتجاوز الحوار بين الاديان مجرد القضايا النظرية والامور التشريعية، وان يواجه القضايا الحياة المعاصرة، مثل العنف والحروب وضعف التنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك لم يحدث حوار في الاطار الرسمي للمؤتمر. فقد صعد القساوسة والملالي والمرشدون والقوا كلماتهم وسط تصفيق مهذب. ولكن حدثت حوارات غير رسمية مهدت الطريق لمحادثات رسمية فيما بعد.

لقد كانت لاستضافة الامم المتحدة للمؤتمر دلالة رمزية . فالرسالة هي امكانية ان يلعب الدين دورا في السياسات الدولية، ولكن فقط تحت رعاية الامم المتحدة التي هي منظمة سياسية.

احدى الافكار التي طرحت على المؤتمر تسعى الى تشكيل نظام تحذير مبكر، لتحديد المصادر المحتملة للصراعات التي يثيرها الدين.

وتجدر الاشارة الى ان كل الصراعات التي شهدها العالم خلال القرن الاخير كانت ذات بعض جذور دينية على الاقل.

فقد لعب الدين دورا رئيسيا في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وفي الحروب الهندية ـ الباكستانية، وفي الحروب في يوغوسلافيا السابقة. كما كان الدين عنصرا مهما في الحروب الاهلية في نيجيريا، والسودان، وافغانستان، وطاجيكستان، وجورجيا، والفلبين، وغيرها من الاماكن.

وفي دول اخرى مثل مصر والجزائر واوزبكستان، كان التطرف الديني مسؤولا عن احداث عنف.

ويعتقد بعض المحللين ان دعوة الدين للمساهمة في وقف العنف ودعم السلام امر غير ذي جدوى، لأن الجماعات الدينية المنظمة هي التي تثير العنف وتشعل نيران الحروب في معظم الحالات.

الا ان المتحدثين في المؤتمر رفضوا وجهة النظر تلك. وانتقد العديد تسييس الدين واستخدام الدعاية الدينية كوسيلة لتحقيق اغراض سياسية.

ومن السابق لاوانه معرفة ما اذا كانت منظمة «امم متحدة للاديان» يمكن ان تتبلور بحيث يكون لها مجلس امنها الخاص وجمعيتها العامة. ولكن من الواضح ان الامم المتحدة وعددا من المنظمات التابعة لها، مثل اليونيسكو، يمكن ان ترحب بمثل هذا التطور.

ان تأسيس «امم متحدة للاديان» ليس بالمهمة السهلة. فلكي يمكن لمثل هذه المؤسسة ان تمثل البشرية تمثيلا كاملا، عليها قبول كل الجماعات التي تصف نفسها بالدينية. والمثال هو الامم المتحدة نفسها، حيث تتوفر لمجموعة من الدول حديثة النشأة وسكانها عدة الاف من المواطنين، نفس حقوق الدول القديمة والكبرى.

والاصعب من ذلك هو تحديد من يجب اعتباره الممثل الصادق لاي دين معين. وفي حالة طائفة صغيرة ذات بنية ادارية بلا تحديات، ليست هناك مشكلة. ولكن كيف سيكون الامر بالنسبة للاديان الكبرى، مثل الاسلام والمسيحية، ذات الطموحات العالمية والتي تضم المئات من الطوائف المتنافسة؟

والمخاطرة الكبيرة هي ان ممارسات من نوع مؤتمر نيويورك يمكن ان تجذب جماعات دينية صغيرة ولكنها ذات تنظيم وتمويل جيدين، بينما تبقى الاغلبية الصامتة بلا تمثيل. وهناك ايضا مخاطرة اخرى تتمثل في احتمال استخدام الحكومات لسلطاتها ونفوذها لتقرير من يمكن تمثيله ومن لا يمكن. فقد استبعد مؤتمر نيويورك، على سبيل المثال، الدلاي لاما، الزعيم الروحي للبوذيين في التبت، بسبب اعتراض الحكومة الصينية. وثمة مثال اخر، فقد استُبعد ايضا زعماء شيعة من ايران والعراق لاصرار طهران على ان «المرشد الاعلى» علي خامنئي هو الزعيم الوحيد للطائفة.

ومن بين المشاكل الاخرى التي قد تظهر ان بعض الديانات تعتبر ان اية اتفاقيات مع سلطات علمانية، بما فيها الامم المتحدة، هي تدنيس للمقدسات. وكان هذا وضع بعض المنظمات الاصولية الاسلامية واليهودية التي ادانت تجمع نيويورك باعتباره محاولة من علمانيين وكفار لاضعاف الدين.

لقد اعتبر تيد تيرنر ان مؤتمر نيويورك «حقق نجاحا اساسيا»، وهو الرأي ذاته الذي ردده الامين العام للامم المتحدة كوفي انان. ومن المقرر متابعة بعض القضايا التي اثيرت في المؤتمر في دورة خاصة تستغرق يومين الاسبوع القادم وستكون مخصصة لعنوان آخر هو «حوار الحضارات»، وسوف يرأسها المدير العام لليونسكو كوتشيرو ماتسورا. وقد اقترح الرئيس الايراني محمد خاتمي «حوارا» خلال زيارته نيويورك في عام 1998.

وقد نال اقتراح خاتمي بـ «الحوار» دعم خمس دول اسلامية هي الجزائر، واندويسيا، ومالي، ونيجيريا، وقطر. وستشارك في «الحوار» ثلاث دول غير اسلامية هي لاتفيا، وجورجيا، وموزامبيق. ومن المتوقع ان يلقي زعماء الدول الثماني كلمات امام الدورة التي من المتوقع ان تقر اقتراحا باعتبار عام 2001 عام «حوار الحضارات».

يبقى انه سيكون مطلوبا من المتحاورين في هذه الدورة تحديد ماهية الحضارة، ومن يجب دعوته الى الحوار، بالاضافة الى موضوعات مثل هذا الحوار. ومن المتوقع ان يلعب تيد تيرنر، مرة اخرى، دورا رئيسيا في الحوار. وليس من قبيل المصادفة ان بعض اصدقاء رئيس شبكة «سي إن إن» السابق يداعبونه باعطائه صفة «المرشد الكوني».