مرحلة «التعايش» في لبنان

TT

اذا جاز اختصار معطيات الدورة الاولى من الانتخابات اللبنانية بتيار «تحتي» مشترك بين اللبنانيين يصح الاستنتاج بان هذه النتائج تصب، بحكم تنوعها وتمايزها، في خانة الدفع نحو سياسة تعايش ثنائي: تعايش على الصعيد الداخلي بحيث لا يفنى الغنم ولا يفشل الناطور، وتعايش على الصعيد الاقليمي بحيث لا تجور العلاقة المميزة مع سورية على مسلمات السيادة اللبنانية. يبدو لبنان، من هذا المنظور، «اسير المحبسين». وليس افضل من سخونة المعركة الانتخابية مؤشرا على ان المجتمع اللبناني يمر بحالة قلق على وطن يتبعثر وقرار يحُجم واقتصاد يتدهور وشباب ينزح... ولا يعرف بعد كيف يبدأ بلملمة اوضاعه، وليس افضل من لهجة خطاب المعركة دليلا على ان اللبنانيين يتلمسون بحذر معالم مرحلة ما بعد الحرب الاهلية وما بعد اتفاق الطائف وما بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب... ومن خلال كل ذلك هوية حكم تتواءم مع الالفية الثالثة في الداخل ومعطيات لبنان الجغرافية ـ السياسية في المنطقة.

على الصعيد الداخلي، تبدو صيغة التعايش المشترك مرهونة اليوم، اكثر من اي وقت مضى بتعايش «العسكريتاريا» مع الطبقة السياسية التي سعت الى الاستعاضة عنها بحكم الاجهزة ـ او «الاشباح» حسب تعبير المعارضة اللبنانية ـ في مجتمع يستمد فيه السياسيون زعاماتهم من شفافيتهم الشعبية واطلالاتهم الاعلامية الدورية.

ورغم ان الزعيم اللبناني وليد جنبلاط كان سباقا في تشبيه المرحلة السياسية المقبلة في لبنان بالوضع القائم حاليا في فرنسا ـ حيث يتعايش رئيس من حزب معين (ديغولي) مع اكثرية نيابية من حزب آخر (اشتراكي) ـ فقد تجنب التذكير بان التعايش المقبل في لبنان لا يستدعي من الحكم تجاوز عقبات سياسية أو ايديولوجية بقدر ما يستوجب تنازلات «مزاجية» طبعت قراراته السياسية الى حد بعيد.

ولا حاجة للتذكير بان نهج التعايش قد يتحول الى محك المرحلة اذا «اكتمل النقل بالزعرور» وفازت لوائح رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بمعظم مقاعد بيروت في انتخابات الغد، خصوصا ان لبنان لا يتحمل ازمة حكم ولا يتحمل تمديد حالة القلق التي يعيش. اما على الصعيد الاقليمي، فمهما حاول البعض تغطية السموات بالقبوات يصعب تجاهل بروز التيار المنادي بتعايش السيادة اللبنانية مع العلاقة المميزة مع سورية بحيث لا يُفتأت على هذه ولا يُجار على تلك. وبعد ان اشار الرئيس بشار الاسد نفسه الى نموذج «لم يكتمل» بعد في العلاقة اللبنانية السورية يجوز القول انه بقدر ما يعجل الجانبان اللبناني والسوري في صياغة ثوابت علاقة متكافئة بينهما بقدر ما تصان العلاقة التاريخية بين البلدين وتعزز.