الحياة مثل (الكفرات)

TT

موضوعي اليوم يدور كله حول (الكفر) - أو عجلة السيارة - وفي بعض نماذجها دلالة على الشهامة، وبعضها على النذالة، وبعضها على الحماقة أيضا. وحياة الإنسان - على فكرة - لا تختلف كثيرا في مضمونها عن العجلة، فهي مثلها تدور، وتسرع، وتبطئ، وتتوقف.

ومما قرأت لأحدهم، قال: فرقعت عجلة سيارتي، فاستوقفت سائق سيارة وطلبت منه أن يساعدني في استبدالها، فنزع العجلة التالفة ووضع مكانها العجلة الاحتياطية، ثم أصلح العجلة التالفة وركبها في سيارتي فشكرته وقدمت له مبلغا فاعتذر عن قبوله وهو يقول: إن كل هذا على حسابي.

فقلت له ولكن كيف تفعل كل هذا مع رجل غريب.

فأجاب السائق: أصبت أمس بوجع شديد في أسناني، ففقدت أعصابي وتحولت إلى رجل قليل الأدب، أشتم المارة بلا سبب ولا مبرر، واليوم زالت آلامي فقررت أن أعوض الناس عن عيوب الأمس!

ولما ركبت سيارتي، فكرت في أن هذا الصنف من الناس نادر الوجود! فإن القلائل منا يعوضون الناس عن أخطاء الأمس!

وقرأت كذلك لإحداهن عندما قالت: لقد سمعت كثيرا عن فروسية أهل (تكساس)، ولهذا لم أدهش عندما توقفت لأصلح إطارا انفجر في سيارتي، إذ رأيت شابين يهرعان نحوي، وتوقعت أن يتقدما لمساعدتي على إبدال الإطار، ولكن الاثنين ظلا يقفان على مقربة مني وهما يتطلعان إلي دون أن يحاول أحدهما مد يد المعونة إليّ.

وواصلت عملي وأنا أشعر بالضيق حتى انتهيت منه، وما كدت أعيد العدد إلى حقيبة السيارة، حتى اقترب أحد الشابين مني وقال لي:

- تهنئتي لك يا سيدتي، لقد راهنني زميلي على أنك لن تستطيعي القيام بهذا العمل بمفردك، وقد ربحت الرهان وقدره 25 دولارا، وسأقتسمه الآن معك، ومد يده مقدما لي 12 دولارا ونصفا!

أما المثال الثالث فقد سمعته من صديق فنان سبق أن أشرت له، وهو بالمناسبة رجل رقيق وحساس إلى أبعد الحدود، وقد ذكر لي أنه خاض مغامرة السفر لوحده من الطائف إلى الرياض، وفي منتصف الطريق (بنشر) أحد الكفرات، ووجد (الاستبنة) معطوبة أيضا، ويقول: وقفت بجانب السيارة أؤشر للعابرين دون جدوى ولم يتوقف أحد لإسعافي، وفجأة وإذا بسيارة تماثل سيارتي تتوقف، وينزل منها رجل طويل عريض وملتح، وعندما عرف مشكلتي شمر عن أكمامه، وفتح شنطة سيارته وأخرج منها (كفرا) ومعه العدة، وأخذ يعالج المشكلة لمدة نصف ساعة، وبعد أن انتهى كتب لي عنوانه قائلا: بعد أن تصل للرياض بالسلامة تستطيع أن تعيد الكفر لي، حاولت أن أعطيه مكافأة أو أدفع ثمن الكفر أو أكتب له إيصالا به، غير أنه رفض، لأنه يتوخى الأمانة عندي قائلا: الناس للناس يا ابني.

وقبل أن يركب سيارته ويمضي سألني عن اسمي، فقلت له وأنا (أنطنط) من شدة الفخر: إنني الفنان (فلان الفلاني)، فدهش وأصابته ما يشبه (النفاضة)، واعتقدت أن ذلك ناتج عن الإعجاب.

ولكنه عاد يسألني بتهكم: يعني أنت المطرب (فلان الفلاني)؟! أجبته: نعم، قال: (والخيبة) أنت الذي تغني في التلفزيون وتفسد عيالنا، وفجأة نحاني بيده على جنب بكل (جفاصه)، ثم شمر عن أكمامه وأتى بعدته، ورفع سيارتي وفك (كفره) منها، وأرجعه في شنطة سيارته مرة أخرى، وركبها وهو ينظر لي شزرا، ثم (فحط) بها إلى درجة أن الغبار تطاير وملأ وجهي وملابسي.

[email protected]