هيفاء تتحدى «الإخوان»!!

TT

في وقت بدأنا نرى فيه تغلغل الفن الذي يتدثر بالدين بدعوى المحافظة على قيم المجتمع، وهو المنهج الذي تتبناه بعض شركات الإنتاج في مصر، نجد انتشارا مبالغا فيه لأعمال فنية قادمة تؤدي فيها النجمات دور راقصات. أكثر من خبر يؤكد أن كلا من منى زكي ودُرة وقبلهما هيفاء وهبي سوف يرتدين «بدلة الرقص» في دراما رمضان القادم للرد على أخونة الفن.

لا أتصور بالمناسبة أن الأمر قائم على تحد، لكنه ضرورة تفرضها طبيعة تلك الشخصيات الدرامية. نحن لا نتعامل في دنيا الفن طبقا لقانون نيوتن «لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه»، أي أن التفريط في ناحية يتم الرد عليه بالإفراط على الجانب الآخر. ثم إن علينا ملاحظة الخيط الرفيع الذي يفصل بين الحرية والإباحية.. يقف الفن دائما على شاطئ الحرية، ويرفض الإباحية بكل أشكالها سواء أكانت في فيلم أو أغنية أو قصيدة أو لوحة.

طبيعة الإنسان تبتعد عن الإسفاف والتجاوز سواء في الفكر أو في أسلوب التعبير، حتى ولو وجد الإسفاف والإباحية سوقا لهما في وقت ما فإن انتشارهما مع الزمن يظل محدودا، ومن ينتصر في النهاية هو الفن!!

في العديد من دول العالم، وبينها عدد من الدول العربية، تنتشر دور عرض متخصصة في عرض أفلام «البورنو» الجنسية، ورغم ذلك فإن رواد هذه الأفلام يشكلون نسبة الأقلية بالقياس إلى الأغلبية الذين يشاهدون الأفلام الفنية. وفي دراسة نشرت قبل عشر سنوات اتضح أن من بين أفضل 20 فيلما على مستوى الإقبال الجماهيري في العالم كله هناك 18 فيلما اعتمدت على المؤثرات البصرية، أي أن الجمهور يبحث عندما يذهب إلى دار العرض عن المتعة الإبداعية وليس مشاهد الجنس.. لقد حطم فيلم «أفاتار» ثلاثي الأبعاد للمخرج جيمس كاميرون سقف الإيرادات في العالم كله، حصد أكثر من 3 مليارات دولار، ولا يزال، بلا أي مشاهد جنس!!

من يرتادون شوارع البغاء التي يحميها القانون وتحظى برعاية صحية، والمنتشرة في بعض دول العالم، لا يمكن أن تقارنهم بمن يفضلون قضاء السهرة في حفل غنائي أو عرض مسرحي.. القسم الأخير هم الأغلبية بالطبع!!

ولهذا لا أشعر بحالة «فوبيا» العري، أي الخوف الشديد من انتشار العري عن طريق الفيديو كليب، حيث دأبت بعض القنوات الغنائية على السماح بعرض أغنيات تلعب فقط على جسد المرأة، وتحولت الكلمات من الإيحاء إلى المباشرة والإباحية!!

وعندما نتناول ظاهرة العري في الأغنيات، حتى نكون منصفين وللإمساك بعمق القضية، ينبغي أن تمتد الرؤية لتشمل على الأقل مائة عام منذ بدايات عصر التسجيل على اسطوانة والإذاعات الأهلية في مطلع القرن الماضي، حيث ظهرت أغنيات مثل «شفتي بتاكلني أنا في عرضك» و«ارخي الستارة اللي في ريحنا» وغيرهما، حتى وصلنا إلى الفيديو كليب الذي ولد مواكبا لانتشار القنوات المتخصصة في الموسيقى والغناء، وعندما اشتد التنافس لجأت بعض الأغاني إلى عامل الجذب باستخدام الجنس والعري. لم يعد من الممكن للدولة أن تُمسك بعصا غليظة وتمنع هذا وتبيح ذاك، لقد سقط هذا الدور بحكم الزمن، وأصبحنا نعيش عصر ثقافة «الريموت كنترول»، أي أنك فقط من حقك الاختيار من دون وصاية من أحد.

المعركة ليست بين نجمة تؤدي دور راقصة وشركة إنتاج تضع معايير أخلاقية، لكنها بين فن يريد أن يملك حرية التعبير، ومن يعتقد أنه يستطيع إعادة المجتمع خُطوات للخلف دُر. اختصار القضية في بدلة رقص ترتديها هيفاء وهبي أراه حيلة ساذجة لن تنطلي على أحد!!