الخليج: الأسئلة القلقة!

TT

لنبدأ بهذه الأسئلة أولا:

في ما يخص ربيع العرب المتمثل في انتفاضاتهم الأخيرة، هل تبدو دول الخليج في منأى عن هذه الانتفاضات الشعبية، كالتي حدثت في تونس ومصر وغيرهما؟ وهل تحتاج شعوب الخليج العربي حقا لمثل هذه الانتفاضات؟ وهل هي مؤهلة لمثلها ديموغرافيا وسياسيا وثقافيا؟ وإذا كان ما حدث في هذه البلدان العربية قد شكل احتياجا وتراكما في بعده الاقتصادي والإنساني أنتج هذه الثورات، فهل تملك المجتمعات الخليجية ذاك التراكم وهذا الدافع لانتفاضات شبيهة؟ أم أن ظاهرة الثورات الجماعية هذه ليست سوى إعادة إنتاج جديدة للخريطة السياسية العربية وفق المصالح العالمية الكبرى كما يعتقد البعض؟

وفي الحقيقة فإن الحديث العلني، وحتى الخافت منه، في الشارع الخليجي لا ينبئ في غالبيته بأي تأييد لقيام مثل هذه الثورات، حتى وإن بدا تعاطف الخليجيين مع إخوانهم العرب واضحا ومؤيدا في خضم الثورات، فتلك طبيعة خليجية ثابتة في التعاطف، لكن ما ينعمون به من رفاه واستقرار وخدمات يجعلهم في حماية من خطر الثورات أولا، ومن التعاطف مع دعاتها في الخليج ثانيا، من دون أن يعني ذلك عدم وجود مطالب لدى البعض ونواقص تحتاج النظر وشعور بالإحباط لدى فئات من الشباب الخليجي ممن يعانون من عدم حصولهم على حقوقهم الأساسية كالمسكن والوظيفة والخدمة الصحية الجيدة!

تبدو دول الخليج العربي كأنظمة سياسية حديثة النشأة وكمجتمعات إنسانية منفتحة تمتلك بنى تحتية متفوقة وخدمات رعاية مجانية ودخولا فردية عالية، إضافة إلى وجود طموحات كبيرة ومحل جدل في الوقت نفسه لمشاريع تنموية عملاقة، فإن ذلك ربما يجعلها في مأمن من الخضات السياسية، إلا أن الواقع الديموغرافي المختل لا يزال هاجسا لم يول الاهتمام اللازم الذي يوازي خطورته السياسية والأمنية. وعليه فربما كانت هذه هي الثغرة الأخطر أو ما يمكن وصفه بـ«كعب أخيل» الواقع السياسي الخليجي، إضافة لتفعيل آليات المشاركة السياسية وتسريع وتائرها بشكل أكبر وقبل أن تحين استحقاقات الربيع العربي!

إن الذي لا شك فيه هو أن النظام السياسي الخليجي قد أصابته الثورات العربية ومآلاتها بالذعر، فقد بدأت بحرق البوعزيزي نفسه في تونس، لتنتهي بحرق أوطان كاملة، كما بدت انتفاضة شعبية لتنتهي كتسونامي تماما مع اكتظاظ شوارع البلدان الثائرة من أقصاها إلى أدناها بملايين البشر، هادرة بهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام». لقد بدت الصورة للسياسيين الخليجيين مقلقة خاصة مع تزايد موجات التأييد الشعبي وانتصارات تلك الثورات في تونس ومصر وليبيا!!

وعندما حملت نشرات الأخبار صور طوابير العرب الذاهبين للإدلاء بأصواتهم بحرية وبخلاف ما كان سائدا، كان لا بد من حراك مختل في البلدان الخليجية، وهنا بدأت تتوالى أخبار جيدة عن رفع سقف المشاركة السياسية وبخاصة للمرأة، وتسارع وتيرة تلبية المطالب الجماهيرية، ودعوات الشفافية ومحاكمات التنظيمات التخريبية والعناية بقضية توظيف الشباب العاطلين عن العمل وإيلاء المواطنين الخليجيين الأولوية في وظائف مؤسساتهم الوطنية.. كان ذلك استجابة مرنة وذكية من داخل مؤسسة صنع القرار السياسي الخليجي لما يجري في الجوار العربي كواحدة من وسائل قطع الطريق على تيارات التأليب ضد الدولة والتي تتم رعايتها وتغذيتها من قبل تنظيمات ثورية معروفة (التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين») وإيران كطرف إقليمي وبعض السفارات الغربية!

اليوم وبعد التجربة الفاشلة لحكم «الإخوان المسلمين» في مصر بعد الثورة تبدو الثورات وكأنها فندت أو أزاحت قلقا سياسيا لطالما أرق كل الأنظمة العربية والخليجية تحديدا، والمتمثل في صعود تيار الإسلام السياسي وخشية استيلائه على السلطة، فجماهيريا لا يحظى «الإخوان المسلمون» بتأييد شعبي خليجي كما حاولت بعض الجماعات الترويج لذلك، كما أن تفكيك تنظيمهم المتمدد خليجيا ومحاكمته كما في الإمارات قد نزعا حالة السرية والغموض عنه وجعلاه محل تداول ونقاش عام وتحديدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي لم يكن معهودا قبل أقل من عام واحد، وهذه ميزة تحسب لعصر الثورتين التكنولوجية والسياسية العربية!

تحتاج دول الخليج العربي اليوم أن تباشر برفع سقف الحرية الإعلامية في إعلامها الرسمي، فما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يتناسب مع حالة الجمود والتحنيط في طريقة تناول قضايا الداخل المحلي، كما أن الانتباه إلى معدلات ونسب الشباب في المجتمعات الخليجية، والتي تعد كبيرة جدا، يضع عبئا على عاتق صانع القرار والسياسة بحيث لم يعد مقبولا وجود هذه النسب من البطالة ووجود غير المواطنين في وظائف حساسة وأمنية، إضافة لضرورة مراجعة هيكلية الإعلام وشكله ومحتواه، واحتواء الشباب ضمن برامج هادفة بخلاف كرة القدم وبرامج صناعة النجوم، فقد أصبحت الحيل مكشوفة تماما في عصر الشفافية المطلقة!

* كاتبة إماراتية