كردستان العراق المزدهرة

TT

بات واضحا الآن أن كلمة «ربيع» توصيف خاطئ للاضطرابات السياسية والحروب الأهلية التي تبعت الثورات العربية عام 2011، لكن دولة واحدة في الشرق الأوسط، تتمتع بالحرية والرفاهية وربما تكون مزدهرة. فيقول فؤاد حسين، مسؤول بارز في حكومة كردستان العراق، مبتسما: «بدأ الناس يتحدثون عن الربيع الكردي لا عن الربيع العربي».

حضر حسين ووفد من حكومة إقليم كردستان، الذي تزيد مساحته قليلا عن مساحة ولاية ميريلاند، إلى واشنطن الأسبوع الماضي للحديث عما آل إليه بلدهم بعد عقد من الغزو الأميركي، حيث كانت الحرب بالنسبة لأربيل، عاصمة إقليم كردستان، نجاحا استثنائيا.

يتمتع إقليم كردستان الديمقراطي، وإن كانت ديمقراطية ناقصة، بالأمن ويمتلك اقتصادا مزدهرا ينمو 11% سنويا، ويتدفق المستثمرون الأجانب إليه للاستثمار بشكل خاص في حقوله النفطية. وتأتي شركات «إكسون» و«شيفرون» و«غازبروم» و«توتال» بين الشركات الدولية التي توقع اتفاقات مع الحكومة الإقليمية. وسيسمح خط أنابيب النفط الجديد إلى تركيا بتصدير ما يقرب من مليون برميل يوميا خلال بضع سنوات.

قبل عقد كانت هناك جامعة واحدة تخدم سكان الإقليم البالغ عددهم 5.2 مليون شخص. الآن هناك ثلاثون جامعة، ويقول حسين، كبير موظفي الرئيس، مسعود بارزاني: «أبلى شعبنا بلاء حسنا. لكن المشكلة الأكبر هي أن الأكراد، أمة غير عربية يبلغ عدد أبنائها 30 مليون شخص محرومون من بناء دولة ومشتتون في تركيا والعراق وإيران وسوريا، على وشك تجاوز تاريخهم الطويل المظلم كإقليم مستغل وضحايا. فقبل 25 عاما، كان الأكراد يُقتلون بالأسلحة الكيماوية من قبل صدام حسين ويخضعون لمحاكمات في تركيا حيث يعيش نصف الأكراد، ودارت حرب عصابات شرسة مشتعلة بين المتمردين الأكراد والجيش التركي».

الآن تبرز تركيا كأقرب حلفاء الأكراد والمساعد المحتمل لعدد من المجتمعات الكردية المجاورة التي تحظى بحكم ذاتي بدءا بسوريا إلى الحدود العراقية الإيرانية. ويجري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي عقد روابط وثيقة مع الحكومة الكردية العراقية، مفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام مع حزب العمال الكردستاني المتمرد - اتفاقية قد تعني لغة جديدة وحقوقا ثقافية، إضافة إلى حكومات محلية منتخبة، للمناطق الكردية المأهولة بالسكان جنوب شرقي تركيا.

في الوقت ذاته، يحاول بارزاني والأكراد العراقيون تعزيز الحكم الذاتي للأكراد شمال سوريا، حيث يعيش 2.5 مليون كردي. انسحبت القوات الحكومية السورية من المناطق العام الماضي مانحة الأكراد فرصة لإنشاء حكومتهم الخاصة. وحتى وقت قريب، كان الحزب الكردي السوري الرئيسي، حزب الاتحاد الديمقراطي، يدعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضد تركيا ويؤيد نظام بشار الأسد. الآن وبفضل اتفاقية السلام الوليدة، ربما يكونون قد بدلوا الولاءات، ففي وقت سابق من هذا الشهر انضم مقاتلوه إلى الثوار السوريين لطرد القوات الحكومية من محافظة حلب التي تسكنها أغلبية كردية.

الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط التي وقف طويلا ضد الأكراد تقف الآن إلى جانبهم، حيث خلقت الانقسامات الطائفية في سوريا والعراق مساحة جديدة للدولة ذات الأغلبية السنية، لكنها في الوقت ذاته معتدلة وعلمانية. وبدأ جميع الأطراف في التودد إلى الأكراد، فأرسل نوري المالكي هذا الشهر وفدا إلى أربيل لاقتراح عودة نواب البرلمان والوزراء الذين انسحبوا من الحكومة الوطنية العام الماضي. رفضت حكومة بارزاني لكنها وافقت على إرسال وفد إلى بغداد للمفاوضات.

وكما يصور حسين، ربما تكون المحادثات فرصة أخيرة لتجنب انشقاق العراق إلى مناطق شيعية وسنية وكردية - انقسام يلقى باللائمة فيه على محاولات المالكي تركيز السلطة الشيعية. وقال، مضيفا: «إما أن ندخل في شراكة حقيقية، أو أن نعود إلى شعبنا»، مشيرا إلى أن النتيجة قد تكون استفتاء على مستقبل الأكراد.

من المنطقي أن تنضم الولايات المتحدة إلى تركيا في دعم هذه المقاومة الكردية، لأن الأكراد معتدلون ومؤيدون للغرب في منطقة مضطربة إلى حد بعيد. لكن إدارة أوباما على خلاف دائم مع الحكومة الكردية، وحاولت الضغط على تركيا لعدم السماح بمد خطوط أنابيب النفط الجديدة التي ستمنح كردستان استقلالا اقتصاديا عن بغداد، ودعمت بشكل متكرر، من وجهة نظر كردية، محاولات المالكي فرض سلطته على المنطقة.

وقال لي أحد الأكراد ضمن الوفد: «الإدارة لا ترانا كقوة استقرار، بل مصدرا للإزعاج، ككائن أجنبي في المنطقة يعقد الأمور، كإسرائيل أخرى». هذه سياسة خاطئة، كما هو الحال بالنسبة لسياسات الإدارة في الشرق الأوسط.

* خدمة «واشنطن بوست»