درس نبيل العربي الذي يجب ألا ننساه

TT

عندما سُئل الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة المصرية، في حوار نشرته صحيفة «الشرق» القطرية، صباح الخميس الماضي، عن إيقاف الرحلات السياحية الإيرانية إلى القاهرة، قال ما يلي نصا: الإيقاف مؤقت حتى تعود الأمور إلى نصابها.

الغريب في الأمر، أن الدكتور قنديل لم يشرح لقراء الصحيفة خصوصا، ولا لقراء الصحف الأخرى التي نقلت تصريحاته عموما، معنى أن تعود الأمور إلى نصابها، إذ الطبيعي أن يتساءل كل من يطالع تصريحات كهذه، عن طبيعة تلك الأمور المطلوب لها أن تعود إلى نصابها، ثم عن حدود ذلك النصاب الذي يجب أن تعود الأمور إليه!

أما الأغرب، فهو أن هشام زعزوع، وزير السياحة، قد صرح بعدها مباشرة لوكالة «فارس» الإيرانية، بأنه لم يصدر عنه قرار بالوقف المؤقت لهذه الرحلات، وقد نقلت «الشرق الأوسط» تصريحاته على صفحتها الثالثة، صباح الجمعة الماضي، ووضعتها أمام تصريحات رئيس الحكومة التي كانت قد صدرت عنه قبلها بساعات، بما أشار إلى درجة من الارتباك غير العادي، من جانب حكومة هشام قنديل، في التعامل مع هذا الملف إجمالا.

طبعا نذكر جيدا، أن وزير السياحة نفسه، كان قد صرح صباح الأحد قبل الماضي، في بيان صادر عن وزارته، بأن وقفا مؤقتا قد تقرر لرحلات السياحة الإيرانية إلى مصر، وأن هذا الوقف المؤقت سوف يكون مداه منتصف يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما نشرته «الشرق الأوسط» صباح اليوم التالي مباشرة في صدر صفحتها الأولى، ونسبت إلى مصادر حكومية مصرية قولها، إن زعزوع كان قد تلقى اتصالا غاضبا، من الجهات الرسمية الإيرانية المعنية، بعد أن كاد منزل القائم بالأعمال الإيراني في القاهرة، يتعرض لمحاولة اقتحام، على يد بعض السلفيين الذين يعترضون بشدة، على فتح الطريق أمام السائح الإيراني في مصر، من دون ضوابط تضمن أن لا تتحول الرحلات في النهاية، إلى ستار يجري تحته نشر المذهب الشيعي بين المصريين.

هذا باختصار ما جرى طوال الأسبوعين الماضيين، في هذا الاتجاه، وهو إن دل على شيء، في غاية المطاف، فإنما يدل - أولا - على اندفاع غير محسوب، من جانب وزارة السياحة المصرية، في اتجاه طهران، ثم إنه يدل ثانيا، على أن هذا الاندفاع غير المحسوب، قد أدى بطبيعته، إلى درجة ظاهرة من التخبط الحكومي في التعامل مع المسألة على بعضها، فأصبح وزير السياحة ينفي صباح الجمعة، ما أكده رئيس الحكومة، صباح الخميس!

لا اعتراض أبدا، على أن يكون السائح الإيراني موجودا في مصر، شأنه شأن أي سائح آخر، ولكن السؤال الأساسي هو: كيف يأتي هذا السائح إلينا، وفي أي سياق بالضبط سوف يأتي؟!

فليس سرا، أن العلاقات على المستوى الرسمي، بين القاهرة وبعض دول الخليج، ليست على ما يجب أن تكون عليه، رغم أن أول زيارات مرسي كانت للخليج بعد فوزه بمقعده الرئاسي، ومع ذلك، فقد بدا أن حالة العلاقات حاليا مع الدول الخليجية، ليست هي التي يطمح إليها المصريون في عمومهم، وكان واضحا، أن الجمود الذي أصاب هذه العلاقات، إذا صح وصف ما هو قائم بأنه جمود، إنما يرجع إلى أن الإخوان الذين وصلوا إلى الحكم في القاهرة، لم يتعلموا بعد، معنى أن يتفهموا سيادة الدول المجاورة والشقيقة على أرضها، ولا أدركوا أهمية أن يتوقفوا عن ترديد ما كانوا يرددونه وقت أن كانوا في المعارضة، حول سعيهم إلى إقامة الخلافة الإسلامية في العالم!

هذا كلام أثار ويثير أبناء الخليج، كما أنه غير عملي، وغير ممكن، وغير منطقي، ولأنه كذلك، فقد بدا أن العون الاقتصادي الذي كان متوقعا ، عند تفجر ثورة 25 يناير، قد أخذ أصحابه مهلة يراجعون فيها أنفسهم، ليروا ما إذا كان عونهم سوف يذهب في مكانه، أم لا؟!

وحين اندفعت الحكومة المصرية، باتجاه إيران، سياحيا، بالشكل الذي جرى، فقد كان من الواضح، أن تلك الاندفاعة تمت تحت ضغط ضائقة اقتصادية، تتصور الحكومة أن الذهاب إلى إيران بهذه الطريقة، يمكن أن يخفف منها، وكانت الاندفاعة في زاوية أخرى منها، تبدو وكأنها ضغط غير مباشر، على دول الخليج، لعلها ترجع عن موقف اقتصادي تلتزمه، منذ فترة، مع حكومة الإخوان، وهو موقف يرى رسميون في القاهرة، أنه غير مبرر!

القصة بين مصر وإيران معقدة، ولا يمكن لعلاقات انقطعت منذ عام 1979 أن تعود هكذا بسهولة في يوم وليلة، من دون مقدمات، ودون أن تكون عودتها ضمن رؤية واضحة، نعرف من خلالها، إلى أين نخطو، ومتى، ولماذا، وبما أن رؤية كهذه، لم تكن جاهزة مسبقا، فإن العلاقات لم تكد تبدأ، حتى توقفت في مكانها، رغم أنها كانت بداية سياحية، لا أكثر، وبالتالي، فقد تبين أن هذه البداية المتسرعة، جاءت على حساب حكومة قنديل، قبل أن تكون على حساب العلاقة مع الخليج، وكان الأمل، ولا يزال، أن تعي هذه الحكومة، درس الدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، الذي كان قد قفز نحو طهران، في اندفاعة مشابهة، خلال الفترة القصيرة التي تولى خلالها الخارجية المصرية، بعد الثورة، ثم ما لبث أن عاد إلى حيث كان يقف ابتداء، لا لشيء، إلا لأنه ربما أدرك أن هذه علاقات دول، لا أفراد، وبما أنها كذلك، فلا يجوز أن تحكمها العاطفة وليدة اللحظة!