جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية

TT

أشياء جميلة تحيا بيننا ولا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الكافي، كأنه كتب على الإنسان العربي أن يفتح عينيه كل صباح على أخبار حزينة مؤلمة، وأصبح الحديث عن النجاح والأمل من المستحيلات! هذه دعوة لإعلامنا العربي لبذل مزيد من الجهد والبحث عن كل ما هو جميل في حياتنا والتعريف به، هناك يعلمون أطفالهم كيف يشتمون الزهرة وكيف يتذوقون الفن بمختلف أنواعه وكيف يحبون الحياة. وهنا نلقن أطفالنا قاموسا من المحاذير.. لا تفعل هذا! لا تقل هذا! ونحسب أنفسنا نعلمهم أشياء مفيدة، لكن للأسف يتضح لنا أننا ننشئ جيلا من دون شخصية أو هوية، ليس له حق اختبار الحياة.

كان لقائي الأول بجامعة الملك عبد الله منذ أيام قليلة عندما تلقيت دعوة لإلقاء محاضرة عن استعمال التكنولوجيا في عالم الآثار، وفي الحقيقة لم أتوقع ما شاهدته بعيني في هذا الصرح العلمي المتميز من كافة النواحي.. عمارته الجميلة، تجهيزات المعامل والمكتبات وقاعات الدرس، وكذلك مستوى أعضاء هيئات التدريس في الأقسام المختلفة، وجميعهم أعلام في تخصصاتهم ويتم اختيارهم طبقا للكفاءة العلمية من كافة دول العالم.. ومنهم العالم المصري الدكتور محمد سماحة - نائب رئيس الجامعة، وهو ممن نتباهى بهم من علماء العرب. الجامعة قلعة علمية تختص بالأبحاث العلمية والدراسات العليا لطلبة الماجستير والدكتوراه، وتركز الجامعة على الأبحاث الخاصة بالصحراء والبترول والمعادن والبيئة التي سيكون لها مردودها الإيجابي على اقتصاديات المملكة وغيرها من البلدان، وستساعد على خلق فرص عمل جديدة وحقيقية. والركيزة التي تسعى الجامعة إلى تحقيقها، هي البدء ممن انتهى إليه الآخرون، وليس ذلك بالأمر الهين، حيث إن مجرد اللحاق بالعلوم الحديثة والتقدم العلمي في الغرب يتطلب إمكانات هائلة سواء مادية أو بشرية، فما بالنا ونحن نريد أن تكون لنا الريادة في العلم، والعودة مرة أخرى إلى صنع علماء عرب يبدعون كما أبدع البيروني والخوارزمي وابن الهيثم والإدريسي والطوسي والبتاني والبغدادي وابن البيطار وجابر بن حيان، وغيرهم ممن بنى الغرب على علومهم. لقد وضع الملك عبد الله بن عبد العزيز كل إمكانات المملكة العربية السعودية لخدمة الجامعة والوصول بها إلى القمة وهو ما يحدث حاليا. كنت أتجول بين معامل وقاعات الجامعة وابتسامة كبيرة لا تفارق وجهي، حيث أصبح ما كنا نظنه مستحيلا واقعا ملموسا نعيشه. هذه تجربة رائدة أتمنى أن تكون نواة تنافس علمي حقيقي بين كل الدول العربية في المجالات العلمية. لقد بدأت المملكة الطريق، وأتمنى أن تتبعها كل البلدان العربية وتتنافس في بناء صروح علمية وبناء إنسان عربي بأخلاق عربية أصيلة وعقل مفتوح على العلم والبحث الأكاديمي.

كنت ألقي محاضرتي، والقاعة أمامي بها كل جنسيات العالم، والجميع التحق بمنح علمية عظيمة توفر للطالب المناخ المثالي للدراسة والبحث والتنافس العلمي لتحقيق اكتشافات جديدة في علوم البترول والمعادن وعلوم الهندسة المختلفة. شيء واحد فقط تحتاجه جامعة الملك عبد الله وهو الدعاية لنفسها والتعريف بها، ولا يكفي موقع الجامعة على شبكة الإنترنت، وإنما تحتاج إلى سلسلة من الأفلام الوثائقية عن إنشائها وتخصصاتها ودورها في المجتمع، إضافة إلى برنامج علمي متكامل للتواصل مع المجتمع، والبدء فورا بتطبيع المكان والمدن المحيطة بطابع الجامعة.