هل في التعليم خلاصنا؟

TT

هذا سؤال يعتبر لاغيا ولا يحتاج لجواب. فكلنا، أو أكثرنا، يعتبرون الأمية سبب تأخرنا وينادون بنشر التعليم الإلزامي. وقد ربطت الموضوع بالديمقراطية عندما أشرت إلى أن من الضروري حصر حق التصويت والترشيح بالمتعلمين. بيد أن بعض القراء اعترضوا على هذه المقولة. فالسيد إياد من الإمارات يرى أن التعليم لا يضمن الحصول على شريحة واعية، بل أصبح أداة للتجهيل. وذكرنا الأخ ناصر محمود من السعودية بأن أغلب الخريجين في البلاد العربية اختاروا أحزابا دينية. ومضى مازن الشيخ ليقول من ألمانيا إنه حتى بعض حملة الدكتوراه لا تختلف عقلياتهم عن الأميين. المشكلة هي قلة الوعي.

أتفق مع الكثير مما تقولون، فكثير من الحرامية الذين سرقوا الملايين كانوا من المتعلمين والخريجين. وكل هذا الفساد من صنع مثقفين وليس أميين. وكيف وصل هتلر للحكم من دون أصوات الناخبين الذين يعتبرون من أثقف الأوروبيين؟ وحقا رأينا في عالمنا العربي والعالم الغربي، كيف أن بعض المتعلمين قاموا بتجهيل شعوبهم. خذوا قادة بعض الأحزاب الإسلاموية عندنا والأحزاب النازية والفاشية عندهم واللوبي الصهيوني في أميركا كأمثلة على ما أقول. ويقول السيد إياد من الإمارات: لا شك في أن وصول الأحزاب الإسلاموية للحكم في العالم الإسلامي اعتمد على أصوات متعلمين وخريجين، بيد أن هذه الوقائع لا تشكل كل الحكاية.

نلاحظ أولا أن الأحزاب الإسلاموية تعارض بشدة حصر التصويت بالمتعلمين. لماذا؟ لأنها تدرك أنها في آخر المطاف تعتمد على أصوات الأميين الذين يشكلون أكثرية في معظم بلداننا العربية. إنها مسألة نسبة وتناسب. فغالبية الأميين لا يعرفون الكثير عن شؤون الدولة والشؤون العالمية التي أصبحت تؤثر فينا. ويعني ذلك أن وعيهم محدود، وبالتالي يسهل وقوعهم في تأثير ما يسمعونه ممن حولهم من الديماغوجية. وعلى الطرف الثاني نجد أن غالبية المتعلمين أكثر إحاطة واطلاعا وفهما للشؤون المحلية والعالمية والكثير منهم لهم آراؤهم ويصعب تضليلهم بالكلام الفارغ. إنها قضية نسبوية. من يشكلون الأكثرية بين الأميين ومن يشكلون الأكثرية بين المتعلمين؟

هل تفضلون الذهاب لمشعوذ يعطيكم وصفة لمعالجة مرضكم أم تذهبون لطبيب يعرف أسرار المرض وعلاجه؟ بالطبع أنا أعرف أن بين المتعلمين من يذهبون فعلا لمشعوذين ويستعملون وصفته. ولكنهم يشكلون أقلية صغيرة. الأكثرية تؤمن بالطبيب والدواء المستورد من سويسرا أو إنجلترا. حقا إن الاعتماد على المتعلمين والمثقفين لا يضمن الحصول على النتيجة المضمونة. ولكن ما العمل؟ هل الأفضل أن نستسلم للجهل والجهلة؟

ولكن دعوني أقل بعيدا عن كل ذلك، هنيئا للأمة التي يمن الله عليها بحاكم أبوي صالح وكفء وواع، فلا تحتاج لأصوات المتعلمين أو الأميين، بل لآراء مستشارين عالميين ومتخصصين ومخلصين تُسمع آراؤهم ويؤخذ بها.