التهديد الذي يصاحبنا دائما

TT

«لم ينفطر سوى قلبي»، كان هذا عنوان رسالة بعث بها أحد متسابقي ماراثون بوسطن إلى أصدقائه مساء الاثنين الماضي بالبريد الإلكتروني بعد أن انفجرت القنابل بالقرب من خط النهاية. وشعر كل مواطن أميركي بأثر تلك الصدمة عندما تحول أحد السباقات الرياضية التقليدية إلى أحد مشاهد الفوضى.

وخلال جمع مكتب التحقيقات الفيدرالي وشرطة بوسطن الأدلة يوم الثلاثاء الماضي، أظهرت الصورة الأولية للتحقيقات، أن القنبلتين هما عبارة عن «عبوات ناسفة» مصنعة بطريقة بدائية، تركتا على أرض السباق وتم تفجيرهما بنظام التحكم عن بعد عبر هاتف جوال أو أي جهاز إلكتروني آخر. كانت القنبلتان محشوتين بمحامل الكريات، مثل العبوات الناسفة التي استخدمت في ساحات القتال الخارجية والتي كان لها أثر دام. ونتيجة لوجود هاتين القنبلتين على أرض السباق، فقد استطاعتا أن تلحق أضرارا بالغة بأرجل الجمهور، ومن المفارقات الوحشية أن يحدث هذا الانفجار عند خط النهاية في أفضل حدث رياضي لعدائي المسافات الطويلة في الولايات المتحدة. ولم تكن القنبلتان معقدتين أو حتى مصنوعتين من متفجرات عالية السرعة، بل كانتا بسيطتين وقابلتين لأن يتم تصنيعهما مرة أخرى بسهولة. ولم تتلق الاستخبارات الأميركية أي تهديد قبل انطلاق الماراثون الرياضي أو كانت هناك أي «ثرثرة» إرهابية بعد وقوع الهجوم. هذا الأمر لا يؤكد استبعاد تورط تنظيم القاعدة مع العلم أن هذا الهجوم لا يشبه أيا من الهجمات التي ارتكبها تنظيم القاعدة أو أعضاؤه الرئيسون في الماضي.

يمكن للمسؤولين الأميركيين التنبؤ بهوية هؤلاء الجناة في هذه المرحلة، لا سيما أن الأدلة الأولية تشير إلى أن هذه الهجمات قد تكون من تدبير شخص واحد أو مجرد مجموعة صغيرة أكثر من كونها شبكة إرهابية أكبر حجما. وإذا ما اعتبرنا هذه الهجمات جزءا من مؤامرة إرهابية أوسع نطاقا، فإنها تمثل نهجا جديدا أشد وحشية. إن هذه الهجمات تحمل نفس سمات هجمات إرهابية مماثلة كتفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995، وتفجير قنبلة أنبوبية خلال دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا عام 1996، والقنبلة الأنبوبية التي تم العثور عليها في مدينة سبوكان الأميركية عام 2011. وكان المهاجمون في كل حالة مجرد مجموعة من المخربين. يركز المسؤولون خلال التعامل مع هذا النوع من الهجمات على العناصر الأساسية، حيث يقومون بتحليل جميع بيانات المراقبة المرتبطة بمحيط شارع بويلستون وجمع الأدلة الجنائية في مسرح الجريمة قبل وبعد وقوع الانفجار. وتحاول وكالات الاستخبارات جمع أي معلومات من كل دوائرها ومكاتبها الخارجية، بينما يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بالشيء نفسه داخل البلاد. كان الجمهور القوة الأكثر فعالية لمكافحة الإرهاب بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتمثل الدرس الأكثر أهمية والمستفاد من تلك الهجمات في قاعدة بسيطة؛ وهي إذا ما رأيت أي شيء، أبلغ عنه فورا. وستكون هذه الحيطة من جانب الجمهور الوسيلة الدفاعية الأكثر فعالية ضد تلك الهجمات الشرسة التي يسهل تنظيمها ويصعب الكشف عنها.

يقول هانك كرامبتون، وهو متخصص سابق في شؤون مكافحة الإرهاب بالاستخبارات المركزية الأميركية ومؤلف كتاب «فن الاستخبارات»: «يعد الهجوم الذي وقع في بوسطن تذكيرا قاسيا آخر بأن العمل الإرهابي يمكن أن يكون فجائيا، وعشوائيا».

قد تكون أنظمة مكافحة الإرهاب التي طورتها الولايات المتحدة منذ عام 2001 مفيدة، ولكن ليس بالدرجة الكافية، فقد تم نشر أنظمة مراقبة في جميع أنحاء بوسطن لحماية سباق الماراثون، وخصوصا بالقرب من خط النهاية، وعلاوة على ذلك كان كل ضباط الشرطة يعملون بكامل طاقتهم، ولكن هذا لم يمنع من وقوع التفجيرات. قد تشعرنا جميع الكاميرات ومعدات المراقبة الأخرى، والأنظمة التحليلية المعنية بتحليل البيانات بالطمأنينة وقدرتها على حل لغز التفجيرات الإرهابية، لكن هجوم بوسطن أثبت أن تقنيات المراقبة ليست حلا سحريا.

ويظهر هجوم بوسطن أيضا مدى نقص المعلومات الاستخبارية التي يتم جمعها داخل البلاد وخارجها. لقد أصبح الإرهابيون أكثر تطورا في التهرب من محاولات اكتشافهم، وأثبتوا مدى تدريبهم الفائق في إبقاء اتصالاتهم خارج نطاق الرصد، وهذه حقيقة أكدتها السنوات التي ظل فيها أسامة بن لادن مختبئا في بلدة عسكرية باكستانية. لقد تعلموا كيفية إحباط عمل كاميرات المراقبة باستخدام أقنعة تنكرية.

ولا تزال «الاستخبارات البشرية»، أقدم الفروع الوظيفية، والتي تقع مسؤوليتها على وكالة الاستخبارات المركزية، المسؤول الأول عن جمع معلومات تتعلق بالبشر، التحدي الأصعب، فالتكهن بما يدور في أذهان الخصوم والأعداء أمر صعب، خاصة إذا كان عدد أعضاء منظمة إرهابية، مثل تنظيم القاعدة، يتعدى المئات. كما أنه سيكون من الصعوبة أيضا التنبؤ بما قد يفعله أفراد أو مجموعات صغيرة غير مركزية.

لقد تعلمت واشنطن على مدار عقد من الزمن، أن النتائج التي ساعدت على زعزعة الاستقرار في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) لم تكن العمل الإرهابي ذاته، بل الطريقة التي تعاملت بها البلاد معه. فقد فقدت أميركا توازنها بسبب الحروب المكلفة في العراق وأفغانستان التي استنزفت معنويات المواطنين دون تحقيق مكاسب واضحة. واعتقد البعض أن حالة الهدوء بدأت تعود إلى البلاد بعد عاصفة مكافحة الإرهاب - إلى أن وقع هجوم بوسطن. ربما كان الشيء الأكثر إثارة للدهشة يوم حدث الانفجاران هو كيف كان رد فعل الجمهور ومؤسسات إنفاذ القانون المحلية تجاه هذه الكارثة. فقد تم إعداد خطط ملائمة لمواجهة الأزمة نفذتها الشرطة والجهات المعنية على حد سواء. وكان المواطنون هادئين ويعتنون بعضهم ببعض.

إن الإرهاب جزء من حياتنا المعاصرة، لكنه لم يجنِ أي انتصارات تذكر في بوسطن يوم الاثنين الماضي.

* خدمة «واشنطن بوست»