الإقليم العربي «السني» في العراق إلى أين؟

TT

يتفادى معظم السياسيين من عرب شمال بغداد وغربها، الحديث المباشر عن تأييدهم لتشكيل إقليم للمحافظات ذات «الأغلبية العربية السنية»، عدا أن نائب رئيس جمهورية العراق طارق الهاشمي المحتفظ بمنصبه رغم صدور أحكام إعدام ضده، قد تحدث عن ذلك بوضوح على صفحته في الـ«فيس بوك»، حيث كتب يوم 3 أبريل (نيسان) الحالي ما نصه: «بعد أن حرمني المالكي من متر مربع من بلدي بل حصرا في المحافظات ذات الأغلبية العربية السنية، أليس من حقي اليوم ومن حق أهلي أن يطالبوا بالإقليم؟». كما أن عدنان الدليمي المستشار السابق لرئيس الجمهورية، يعتبر من أشد المتحمسين للفكرة. إلا أن حزب البعث المحظور، وحارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين أكثر المعارضين التزاما بمقاطعة العملية السياسية، وعبد الملك السعدي المرجع الديني البارز، هم أشد معارضي فكرة الإقليم، طبقا لما هو معلن عن مواقفهم، وتقف إلى جانب هذا الرأي مجموعات من كبار الضباط ومناصري الجماعات المسلحة.

ومع أن شخصا غير مختص في الشؤون الاستراتيجية والإدارية مثل عدنان الدليمي، لم يقدم رؤية تقابل عشرات الفقرات من نقاط التعقيد، التي ما أن يمكن تجاوز إحداها حتى يتم الوقوع في شراك أخرى، فمن الغريب أن أصحاب مشروع الإقليم لم يستعينوا بمجموعة من كبار الجنرالات والمحللين لدراسة الفكرة من الوجوه الأساسية، ولم يجرِ طرح المشروع علنا. كما أن الهاشمي، وهو ضابط ركن عمل مدرسا في كلية الأركان بداية سبعينات القرن الماضي، لم يتناول الموضوع من الجوانب الفنية ذات الطابع العسكري والأمني.

بعض التهديدات بقطع المياه عن الجنوب أو إغراقه في وقت الفيضان، منطق لا يتجاوز التفكير الفردي الانعزالي. وفضلا عن عدم وجود مثل هذه القدرة في أسوأ حالات العلاقة مع المركز، فإنها تزيد من حساسية الطرف المعني، فتزداد فكرة المشروع تعقيدا، لا سيما أن المركز هو من يمتلك القدرة الأكثر حسما في الموافقة على المشروع أو رفضه، لأنه هو الذي يتحكم بالموارد المالية وعناصر القوة، ومجرد رفض تخصيص موارد مالية للإقليم من موازنة الدولة، يجعل الفكرة صعبة التنفيذ، لا سيما أن الدستور غير ملتزم به من قبل كل الأطراف.

وتعتبر مشكلة حدود الإقليم واحدة من النقاط غير القابلة للاتفاق، إلا إذا قرر أصحاب فكرة الإقليم التخلي عن نظرائهم في بغداد وديالى وبعض مناطق محافظة صلاح الدين وجنوب بغداد، وهو ما يصل عدديا إلى ما يقرب من أربعين في المائة من عرب سنة العراق، وكل هؤلاء سيذهبون إلى ما هو أبعد من شجب فكرة الإقليم، لأنها تسبب تشرذم الصوت العربي السني، الذي يمكنه المساهمة في تعزيز وحدة العراق، والمحافظة بشكل أفضل على حقوق هذه الشريحة. وليس سرا، وجود طروحات تعتبر الإقليم مقدمة لتكوين قاعدة أمنية لإعادة السيطرة على العراق، ومثل هذا الطرح يعني برنامج حرب خطيرة مدمرة لجميع الأطراف، والتعويل على الدعم العربي يجعل العراق أسوأ حالا من الكارثة السورية، لأن أوجه المقارنة بين الحكومة العراقية والنظام في سوريا تميل لصالح الأولى، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وبحكم الحدود المفتوحة مع إيران.

الرد على هذه الملاحظات يتطلب الخوض في عشرات الفقرات الرئيسة وعشرات الصفحات من دراسات علمية، عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية، من قبل خبراء مختصين، وأن يكون المشروع السلمي موضع نقاش صريح وتفصيلي، وليس في دوائر مغلقة، وإذا ما أمكن الوصول إلى معطيات مرجحة للنجاح يمكن عندئذ النظر إليه بطريقة مختلفة.