الأطباء وشبكات التواصل الاجتماعي

TT

في عصر الرسائل النصية بالهواتف الجوالة وتغريدات «تويتر»وصفحات الـ«فيس بوك» ومنتديات الإنترنت، ينبغي على الأطباء أن يمارسوا نهج «ضبط النفس» وفق معايير أخلاقيات المهن الطبية، وخصوصا حينما يتعلق الأمر بالتواصل مع المرضى وأقربائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي تلك. هذا خلاصة ما تحاول الهيئات الطبية العالمية إفهامه للأطباء وغيرهم من العاملين في الأوساط الطبية بأن عليهم أن يرسموا خطا واضحا لهم ولغيرهم حول الحدود الفاصلة بين الحياة الاجتماعية الخاصة بهم وبين حياتهم المهنية الطبية، وذلك ضمانا للتفاعل المنضبط والمتوازن والمفيد، مع الارتفاع المتزايد في استخدام الوسائل الرقمية تلك للتواصل بين مختلف الناس من مختلف التخصصات والاهتمامات والاحتياجات.

الكلية الأميركية للأطباء American College of Physicians (ACP) والاتحاد الفيدرالي للمجالس الطبية الحكومية Federation of State Medical Boards (FSMB) أصدرت أخيرا تحديثاتها للإرشادات الأخلاقية للأطباء حول أخلاقيات الإنترنت Online Medical Professionalism، التي تم نشرها في عدد 16 أبريل (نيسان) لمجلة «مدونات الطب الباطني» (Annals of Internal Medicine) التي تصدرها الكلية المذكورة. وذكرت في مقدمة الإرشادات أن العناصر المتطلبة للاهتمام تشمل استخدام الأطباء لشبكات التواصل تلك لغايات غير طبية، والآثار المترتبة عليها في جوانب الثقة بحفظ سرية المعلومات حول المرضى، وانضباط استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي في تثقيف المرضى، وكيفية تأثير كل ذلك على ثقة الناس في الأطباء مثل تفاعلات علاقة الطبيب بالمريض في البيئة الرقمية digital environment..

إن هذه العناصر كلها، وغيرها، هي في الواقع مهمة، والفرص التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت هي بالفعل تمثل «جبهة» جديدة في الطب وفي علاقة الأطباء بالمرضى، وبإمكانها أن ترفع من مستوى الترابط فيما بينهم، كما أن بإمكانها أن تتسبب بالإخفاقات والاضطرابات. ولذا أفادت الإرشادات أنها توضح: «تقديم الإرشادات حول تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على العلاقة بين المريض والطبيب، ودور وسائل الإعلام الاجتماعي في صناعة التصور العام للناس حول سلوكيات الأطباء، ووضع استراتيجيات للأطباء فيما بينهم للجمع بين الحفاظ على خصوصية التعامل مع المرضى من جهة واستخدامهم الأمثل لتلك الوسائل في التواصل الاجتماعي من جهة أخرى».

وبالمراجعة لمجموعات الإرشادات، نلحظ أحدها يتحدث صراحة عن ضرورة ألا يتواصل الطبيب مع مرضاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي تلك، وتحديدا الـ«فيس بوك»، ولا أن يكون أي من المرضى بالذات ضمن مجموعة أصدقاء الطبيب فيه.

كما أن على الطبيب ألا يرسل «رسائل نصية» كوسيلة لتوصيل معلومة طبية إلى مريض، إلا في حالة وجود «موافقة مشفوعة بالعلم» informed consent وموقع عليها من قبل المريض والطبيب. وحتى مع وجود الموافقة الخطية تلك، لا تزال الإرشادات تطلب من الأطباء توخي «أشد درجات الحذر» extreme caution، وفق نص عباراتها، عند التواصل مع المريض بهذه الوسيلة.

ويجب على الطبيب أن يكون حذرا ومتأنيا في الحكم حينما يتم التواصل معه عبر الإنترنت بأسئلة أو استشارات طبية من قبل مريض أو شخص لا يعرفه الطبيب أو لم يعاينه من قبل. وهنا يجدر دوما تذكير السائل بضرورة مراجعة الطبيب المختص لأخذ إجابة مباشرة على سؤاله المتعلق بحالة مريض معين، وإفادة السائل بعموميات من المعلومات الطبية الصحيحة والتي تنطبق على طيف واسع من الحالات المماثلة.

الإرشادات تناولت جوانب كثيرة من الأمور والحالات التي تنطبق على واقع ممارسة استخدام الأطباء لشبكات التواصل الاجتماعي. وذكر الدكتور همايون شاودري، رئيس الاتحاد الفيدرالي للمجالس الطبية الحكومية، أن: «من المهم جدا على الأطباء أن يتنبهوا إلى أهمية حفظ الخصوصية والسرية للمعلومات المتعلقة بالمرضى، وأن يتنبهوا إلى أهمية كيفية استخدام الإنترنت في غايات غير طبية لأنها قد تؤثر على ثقة الناس في أفراد الوسط الطبي». وذلك في إشارة منه للدراسة الطبية المهمة المنشورة في 21 مارس (آذار) 2012 مجلة «الجمعية الطبية الأميركية (جاما)»، التي أوردت نتائج الإحصاء القومي الأميركي لمخالفات الأطباء على الإنترنت والعقوبات التي تم تطبيقها عليهم Physician. Violations of Online Professionalism and Disciplinary Actions. وذكرت الدراسة أن المخالفة الأكثر حدوثا هي الإساءة الجنسية في التواصل بين الطبيب والمريض عبر الإنترنت، ووصف الأطباء لأدوية بشكل مباشر للسائلين المرضى، وخداع الأطباء للمرضى السائلين عن تصنيفهم الوظيفي أو عملهم الفعلي في المستشفيات التي يعملون بها.

وعند التمعن في واقع الممارسة الحالية لأفراد الأوساط الطبية في المناطق العربية لوسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، نرى أنه يشهد انفلاتا يتعارض مع أخلاقيات ممارسة المهن الطبية، فحاليا افتتح كثير من الأطباء حوانيت ومطاعم بمسمى عيادات وغيره، في «بازارات » الـ«فيس بوك» و «تويتر»، يستخدمونها كوسائل للدعاية لأنفسهم أو لعمليات جراحية أو خدمات علاجية يقدمونها في عياداتهم أو في المستشفيات الخاصة التي يعملون بها. وعلى هؤلاء الأطباء مراجعة أساسيات أخلاقيات ممارسة المهن الطبية ليعلموا كم هم بعيدون عنها.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]