شكرا.. عادل فقيه..

TT

يعلمنا التاريخ بشكل واضح أن القرارات «الصائبة» ليست بالضرورة هي القرارات الشعبية التي تلقى القبول الفوري والتأييد المطلق السريع. فكم من قرارات اتخذت في أوقات مختلفة نالت نصيبا غير بسيط من الاحتجاج ومن الاعتراض والتحفظ والرفض ولم تتضح الحكمة الكاملة والحقيقة من مغزاها ومعناها إلا بعد حين. تذكرت كل ذلك وأنا أتابع القرارات والسياسات «الأصعب» التي أقدم عليها وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه، المعني حقيقة بتغيير ثقافة سوق العمل الذي «تكلس» وأصابه الجمود لأكثر من ثلاثة عقود حتى بات مدمنا على المخدر الأخطر وهو «العمالة الأجنبية المنخفضة التكاليف» والتي أصبحت جزءا ومكونا أساسيا من الاقتصاد وبات بالتالي استحالة الاستغناء عنها بسهولة. «السعودة» أو توطين الوظائف كان اتجاها معروفا لدى الدولة وليس بجديد ولكنه كان يفتقد التنسيق والتعامل والتكامل المهم والمطلوب. فالمناقصات كانت ولا تزال تطرح بأسلوب وطريقة التركيز على العمالة الأرخص سعرا دون أي مراعاة لحال البطالة المحلية المتزايدة وعدم قدرة السعودي على التوظف بالمهن المطروحة في المناقصات بتلك الأجور المتدنية بشكل غير طبيعي وهي مسألة تفاقمت بشكل كبير مع مرور الوقت وكذلك التركيز على التعليم الجامعي دون الاهتمام بذات القدر بالتدريب والتعليم المهني الفني وهو أهم فئات العمالة الأجنبية المنخفضة الأجور حتى إن وظائف الخريجين الجامعيين تبقى دوما محدودة مقارنة مع المهن الأخرى. وألمانيا على سبيل المثال 85% من خريجي الثانوية فيها يذهبون للمعاهد الفنية المتخصصة وليس الجامعات وكذلك هناك عدم دقة وزهد في الحقيقة بالنسبة للبيانات والإحصاءات الصادرة مؤخرا من وزارة الاقتصاد والتخطيط التي كانت تقدم صورة غير دقيقة لأحجام العمالة الأجنبية في البلاد وتقلل من أعدادها وهذا كله يصور المسألة على غير واقعها، حتى كانت السياسات والقرارات الأخيرة التي أقدم عليها وزير العمل وتم توظيف عشرات الآلاف من السعوديين والسعوديات في زمن قياسي وسيكون هناك فرصة لتوظيف الأكثر قريبا، ولكن حتما لن يكون بالإمكان إحلال كافة الوظائف الموجودة اليوم بسعوديين وأتمنى أن يكون ذلك نصب أعين الجميع حتى لا يكون هناك في أذهان أي أحد وهم أو حلم وردي، وإذا كان هناك أمل بإحلال كامل فلا بد أن يأتي ذلك مع تكامل حقيقي في سياسات التعليم والتدريب وأسلوب المناقصات ونظام العمل التي تحمي العمل وصاحب المنشأة الموظفة للعامل، فالعلاقة يجب أن تكون متكافئة وتحت سقف نظام العمل حتى يكون هناك مبدأ لا ضرر ولا ضرار وهذا هو العقل والحكمة المنشودة. وزير العمل عادل فقيه تحمل الكثير من السباب والشتائم وما يقال عنه بالاحتساب والدعاء عليه علانية بشكل لا يرضي أحدا وتحمل الكثير من نقد ودسائس الجبناء الذين يهمسون في المجالس الخاصة ولا يجرؤون على قول الحق في المجلس العام، تحمل ذلك وحيدا ولكنه كان دوما لديه الحجة «الصعبة» ولكن المقنعة لتقديمها للناس وإبراز جوانب الخطر وأهمية اتباع الحلول وضرورة أن يتحمل الجميع نصيبه من الحل، وهناك مكمن التحدي أن يتحمل الجميع هذا الحل وليس بالتالي طرف واحد وهو القطاع الخاص وحده، ولكن الكل معني بذلك وعليه فالكل مطلوب منه أن يكون «شريكا» في إنجاح هذا التوجه النبيل والمهم وأن يكون أيضا قابلا للمحاسبة والعقوبة في حال التقصير أو الإفساد لأن نجاح هذا التحدي هو هاجس عام ويهم الكل وبالتالي الفشل فيه خطر هائل وتوابع الفشل ستنال من كل الأطراف. وزير العمل السعودي أقدم بكفاءة على مهمة غير محببة ولا سهلة وهي بعيدة عن ندوات الابتسام وجلسات التصوير ولكنها فعلا مهمة تصنع التاريخ وهو يستحق التحية والاحترام والشكر منا جميعا.

[email protected]