الاشتراكية الطوعية

TT

لقد فشلت الاشتراكية في معظم البلدان التي حاولت تطبيقها، ولا سيما حيث تبنت برامج التأميم والإدارة المركزية. بيد أن عددا من رجال الأعمال في سائر الدول الغربية ممن استهوتهم فكرة الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، سعوا لتطبيقها في مجالهم الخاص. بنوا بيوتا لعمالهم ومدارس لأطفالهم وقدموا ضمانا صحيا لجميعهم، وأخيرا قاموا بإشراكهم في أرباح الشركة. المدهش أن هذه المشاريع الفردية سرعان ما حققت نجاحا باهرا. أولا بسبب إخلاص وولاء العاملين فيها وتفانيهم في إنجاح المشروع. وثانيا لأن الجمهور تحمسوا للتعامل مع هذه المؤسسات الأخلاقية وشراء حاجياتهم منها.

فضلا عن ذلك فإن هذه المؤسسات طبقت أيضا أساليب أخلاقية في التعامل مع الزبائن. فالعاملون فيها لا يخدعون الجمهور، ويدلون لهم بكل مزايا أو عيوب البضاعة بصورة واقعية صادقة. وجدتهم مرة يقولون لي اذهب للمخزن الفلاني الذي يبيع هذه البضاعة بسعر أرخص! وفي مناسبة أخرى عزمت على شراء آلة تصوير ولكن البائعة قالت لي، كلا. هذا موديل عفى عليه الزمن. اصبر بضعة أسابيع حتى يصلنا الموديل الجديد.

توجد مثل هذه المؤسسات في سائر الدول الغربية، بما فيها أميركا الرأسمالية. اكتشفت أن أحد الفنادق الأميركية لا يسمح بتعيين عامل جديد حتى يوافق على استخدامه بقية العمال. وفي بريطانيا اشتهرت مخازن جون لويس. إنها لا تسمي العاملين فيها عمالا أو مستخدمين. وإنما يطلقون عليهم شركاء. فلهم حصتهم من أرباح الشركة. ولا يجوز لمديري الشركة أن يتقاضوا رواتب تزيد على أجور العمال بنسبة معينة. ولهذه الشركة باع كبير في شتى الميادين الإنسانية، مما تشير إليه الصحافة البريطانية باستمرار. وبالطبع يؤدي هذا في الواقع إلى تعاظم شهرة المؤسسة وإقبال الجمهور عليها وتشجيع السلطات لها.

من المؤسسات المشابهة في كل الدول الغربية، الجمعيات التعاونية. وهي في بريطانيا تحرص على تسويق منتجات العالم الثالث، بطاطس من مصر وزيتون من فلسطين وكذلك استخدام اللاجئين والعاطلين والمقعدين. وهي أيضا تشارك الأعضاء في أرباحها. اعتدت على استلام حصتي من ذلك في نهاية كل سنة. وأحرص على شراء لوازمي البيتية منها.

ترتبط بعض هذه المؤسسات بالإيمان الديني الذي يحثنا على رعاية الضعفاء واتباع العدالة والإحسان. هنا أيضا نجد شركات عملاقة اكتسبت ثروتها ونجاحها من اتباع سياسة عادلة وتحسين أحوال العاملين فيها، يخطر لي من هذه الشركات معمل أحذية كلارك ومعامل شوكولاته كادبري.

وفي ذلك دروس جديرة بملاحظة بعض رجال الأعمال في عالمنا العربي، ممن يعتقدون أن النصب والاحتيال واستغلال العمال والموظفين طريق جيد للإثراء والنجاح. دعهم يجربوا ما فعله الآخرون في اعتماد العدل والإحسان والصدق سلما يرضي الله ورسوله ويحقق لهم نتائج أفضل وأنظف ويعطي بلادنا مناخا سليما للتنمية والنجاح.