إذا أردنا أن نرى مثالا على انتهاج الحكومة الأميركية طرقا متناقضة في التعامل مع الإرهاب، فعلينا أن نلقي نظرة على المحاولة الفاشلة لإطلاق سراح السجناء الأفغان من معتقل غوانتانامو، حيث يظهر هذا كيف يمكن للتحليل غير الصحيح - بأن حركة طالبان و«القاعدة» يشكلان نفس التهديد - أن يؤدي إلى سلسلة من السياسات السيئة التي تضر بالمصالح الأميركية.
لقد أدت الفرضية الخاطئة بأن طالبان و«القاعدة» يمثلان نفس القدر من التهديد إلى قيام الكونغرس بسن قانون عام 2010 ينظم عملية الإفراج عن المعتقلين من سجن غوانتانامو، علاوة على أن هذا الارتباك قد أدى إلى تعقيد عملية الإفراج عن خمسة من مقاتلي طالبان من معتقل غوانتانامو أثناء محادثات المصالحة عام 2011، كما أثر أيضا على جهود الحكومة الأفغانية للإفراج عن ثمانية أفغان آخرين، وساعد على البدء في إضراب عن الطعام وصفه أحد السجناء لصحيفة «نيويورك تايمز» في الآونة الأخيرة في مقال بعنوان «غوانتانامو يقتلني».
وخلاصة القول هي أن حركة طالبان قد استفادت من تلك الدعاية وأن رغبة الرئيس أوباما في إغلاق معتقل غوانتانامو قد تم كبتها بسبب الضغط السياسي الداخلي. وقد حدث كل هذا على الرغم من تقديرات وكالة الاستخبارات الأميركية بأن الإفراج عن السجناء الأفغان لن يشكل خطرا أمنيا عاليا على الولايات المتحدة.
وتبدأ القصة مع الحملة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2001 للإطاحة بحكومة طالبان التي وفرت ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، وتم اعتقال كثير من عناصر الحركة، كما تم إرسال بعضهم إلى معتقل غوانتانامو بكوبا، بما في ذلك ضباط بارزون في الحركة وأفغان آخرون اعتبر أنهم يمثلون خطرا على الولايات المتحدة.
وقد تم تلخيص فرضية التعامل مع طالبان و«القاعدة» على أنهم يمثلون نفس الخطر في كتاب بوب وودورد بعنوان «بوش في الحرب»، والذي نقل بشكل غير مباشر رأي مدير وكالة الاستخبارات الأميركية آنذاك جورج تينيت، حين قال: «قال تينيت: علينا أن نحرم تنظيم القاعدة من ملاذه الآمن. أخبر حركة طالبان بأننا قد انتهينا منهم. حركة طالبان وتنظيم القاعدة سواء». ويقول تينيت إنه لم يرَ الحركة والتنظيم على أنهما يمثلان تهديدا «مماثلا»، غير أن هذا المنطق قد ساد منذ ذلك الحين، على الرغم من تشكك بعض المحللين من وكالة الاستخبارات المركزية وهم يدرسون حالات فردية.
وبدأت الولايات المتحدة دراسة عملية الإفراج عن سجناء حركة طالبان عقب وصول الرئيس أوباما للسلطة في 2009. وكان أوباما قد أعلن أنه يرغب في إغلاق السجن، كما كان يحاول ممثله الخاص الجديد لأفغانستان، ريتشارد هولبروك، الوصول إلى تسوية سياسية، غير أن وزارة الدفاع الأميركية، بدعم من المحافظين في الكونغرس، عارضت الإفراج عن أي سجين قد يعيد مقاتلي طالبان إلى ساحة المعركة مرة أخرى.
وبدأت محادثات هادئة في أبريل (نيسان) 2009، عندما التقى بارنيت روبن، وهو خبير أفغاني في جامعة نيويورك والذي سينضم بعد ذلك بوقت قصير إلى فريق هولبروك، مع عبد السلام ضعيف في كابل. وذكر ضعيف، وهو سفير حركة طالبان السابق الذي كان قد تم الإفراج عنه من غوانتانامو عام 2005، أسماء ستة سجناء تأمل حركة طالبان في الإفراج عنهم. وقد لقيت هذه الفكرة دعما من الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني الذي كان يترأس جهود المصالحة للرئيس حميد كرزاي. وبعث رباني برسالة للولايات المتحدة في أوائل عام 2011 يطلب فيها الإفراج عن واحد من هؤلاء الستة وهو خير الله خيرخوا.
وبدا هناك مؤشرات على التوصل لاتفاق عام 2011، حيث التقى مارك غروسمان، الذي شغل منصب الممثل الأميركي لأفغانستان عقب رحيل هولبروك، سرا مع ممثل طالبان محمد الطيب الأغا، وتوصلا لاتفاق بقيام الولايات المتحدة بالإفراج عن خمسة سجناء من طالبان وإرسالهم إلى قطر، في مقابل قيام حركة طالبان بإدانة الإرهاب الدولي والإفراج عن الرقيب الأميركي بوي بيرغدال، الذي كان يعتقله المتشددون منذ عام 2009.
ومع ذلك، فشلت الصفقة في ديسمبر (كانون الأول) عندما اعترض كرزاي، احتجاجا على عدم اشتراكه في التوصل إليها، قبل أن يتراجع عن موقفه في الشهر التالي بعد إرسال مستشاره للأمن القومي إبراهيم سبينزادا إلى غوانتانامو لإجراء محادثات مع السجناء، قبل أن تنهار المحادثات مرة أخرى في شهر مارس (آذار) 2012.
ولعل الشيء الذي زاد من الإحباط نتيجة فشل هذه العملية هو قيام وكالة الاستخبارات الأميركية بدراسة ملف المعتقلين الخمسة التابعين لحركة طالبان والوصول إلى أن هذا الإفراج لن يكون له تأثير كبير على الوضع العسكري، حتى لو أخل المفرج عنهم بتعهداتهم وغادروا قطر. وتشير الدلائل إلى أنه على الرغم من أن هؤلاء الخمسة قد قاتلوا مع حركة طالبان، إلا أنه لم يكن لهم أي دور في دعم مؤامرات تنظيم القاعدة واستسلموا بسرعة عقب الهجوم الأميركي.
وكان الفصل الأخير في هذه القصة هو الأكثر إثارة للحيرة؛ ففي قمة حلف شمال الأطلسي في شيكاغو في شهر مايو (أيار) الماضي، طلب كرزاي من أوباما إطلاق سراح ثمانية أفغان آخرين. وقامت وكالة الاستخبارات المركزية بدراسة ملفات هؤلاء المعتقلين ووجدت أن أربعة منهم يشكلون تهديدا منخفضا في حين يشكل أربعة آخرون تهديدا متوسطا، ولكن بسبب القواعد التي مررها الكونغرس عام 2010 فيما يتعلق بالإفراج عن أي معتقل من غوانتانامو، تقدمت الولايات المتحدة بمطالب مفصلة عن كيفية مراقبة الأفغان عقب عودتهم إلى ديارهم، ولم تكلف حكومة كرزاي نفسها عناء الرد.
ولا تزال إدارة أوباما تقول إنها تريد التوصل إلى تسوية سياسية في أفغانستان، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الشأن، أما بالنسبة للسجناء الأفغان، فلا يزالون معتقلين ضمن الـ166 معتقلا في غوانتانامو، والذين يدخل منهم 52 معتقلا في إضراب عن الطعام احتجاجا على المعاملة التي يلقونها، كما يتم إجبار 15 آخرين على تناول الطعام.
* خدمة «واشنطن بوست»