الرابط بين منفذي تفجيرات بوسطن ومنفذي التفجيرات في أوروبا

TT

هناك الكثير من الأمور التي لم نعلمها بعد عن جوهر وتامرلان تسارناييف، المشتبه بهما في تفجيرات ماراثون بوسطن، لكن ما نعلمه هو أن أسرتهما من الشيشان وغادروا جمهورية الشيشان الروسية عندما اندلعت الحرب عام 1994. وعلى الرغم من أن الحرب بدأت كحركة تدعو إلى استقلال وسيادة الشيشان، تصاعدت وتحولت إلى صراعين مسلحين داميين بشكل غير عادي اتسما بالفوضى والشراسة وراح ضحيتهما مئات الآلاف من الأشخاص. ودُمرت عاصمة الشيشان غروزني بالكامل، حتى إن الصور الفوتوغرافية، التي التقطت لها بعد انتهاء الحرب، تبدو عتيقة الطراز وكأنها لمدينة وارسو أو دريزدن عام 1945. لهذا السبب لم يكن مفاجئا معرفة أن أحد الشقيقين ولد في كرجستان، التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، وليس من الغريب أن يلتحقا فيما بعد بمدرسة في داغستان التي كانت تابعة هي الأخرى للاتحاد السوفياتي. وليس من الغرابة أن نجد الشقيقين يتحدثان الروسية ويكتبان بها على مواقع التواصل الاجتماعي، فالروسية ما زالت هي اللغة السائدة في كثير من الدول التي كانت تابعة يوما ما إلى الاتحاد السوفياتي. وهناك الكثير من الروس المسلمين والكثير من أهل الشيشان الذين يعيشون في روسيا. وكذلك هناك الكثير من أهل الشيشان الذين يعيشون في كرجستان. لقد كان الاتحاد السوفياتي يضم مختلف القوميات والأعراق والأديان. ويظل الجزء الأكبر من عالم ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي مختلطا على حد سواء وإن لم يكن على نحو مريح في بعض الأحيان.

بمعنى أن ما يبدو غريبا بالنسبة إلى الأميركيين قد يكون قصة عادية وشائعة جدا، فهي قصة أسرة من الشيشان تظل تتنقل لعدة سنوات بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وفي النهاية يحالفها الحظ وينتهي بها المطاف إلى الولايات المتحدة. إنهم هنا منذ عقود، والتحق الشقيقان بالمدرسة الثانوية في بوسطن. وكان أحدهما بطلا في الملاكمة، في حين التحق الآخر مؤخرا بجامعة ماساتشوستس بمدينة دارتماوث. مع ذلك هناك شيء ما سار على غير ما يرام وربما يتعلق بالشيشان. أسفرت الحربان الداميتان في الشيشان عن دمار هائل وكانت السبب في ظهور حركة إرهابية لا تقل دموية عن الحربين (المشار إليهما آنفا). وأصبح بعض مواطني الشيشان متطرفين بعد أن كانوا علمانيين بسبب خسارتهم لمنازلهم وأصدقائهم وأسرهم. ومن أشكال الإرهاب الشيشاني اقتحام مسرح موسكو بعنف وتنفيذ نساء لعدة هجمات انتحارية وتفجير بمطار موسكو. والأسوأ من كل ذلك هو حصار مدرسة ابتدائية في مدينة بيسلان عام 2004 وهو كارثة انتهت بمقتل مئات الآباء والأطفال. ويبدو أن لطابع الإبادة والقسوة، الذي يتسم به الإرهابيون الشيشان، الذين عادة ما يستهدفون المارة الأبرياء، صدى في تفجيرات ماراثون بوسطن العشوائية على نحو بغيض. وربما يكون واحد من الشقيقين أو كلاهما على صلة بانفصاليين شيشان حيث قيل إنهما يزوران مواقع إلكترونية لهم. وربما يكونان على علاقة بتنظيم القاعدة، لكنني لا أحب التسرع والاعتقاد في هذا الاستنتاج. وكان الإرهابيون الشيشان في الماضي يتخذون موقفا معاديا تجاه الروس أكثر من اتخاذهم موقفا داعما للإسلام، ولا يُعرف عنهم مناهضتهم لأميركا.

يمكن النظر إلى احتمال آخر، ربما يكون على نحو ما أكثر إزعاجا من التفسير المريح المتمثل في أن «الأجانب يكرهوننا». وعلى الرغم من أن أكثر المعلومات غير مؤكدة، لا يبدو من سلوك الشقيقين أنهما إرهابيان قاسيان مدربان، بل هما أقرب إلى الجيل الثاني من المسلمين الأوروبيين الذين نفذوا تفجيرات في مدريد ولندن ومدن أوروبية أخرى. لا يشعر مثل هؤلاء الشباب بأنهم ينتمون إلى أوروبا رغم نشأتهم وتلقيهم التعليم بها. واتجه البعض إلى الوطن غير الواضح تماما في الذاكرة والذي يشبه الأسطورة إلى حد ما بحثا عن هوية أكثر صلابة وثباتا وذلك لعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع. وعادة ما يقومون بذلك بمساعدة رجل دين متشدد مثل الذي ربما كان يعرفه واحد من الشقيقين. ونُقل عن تامرلان قوله متحدثا عن نفسه: «ليس لي صديق أميركي واحد». وتصلح هذه الجملة لأن تكون على لسان باكستاني شاب يعيش في كوفنتري أو شاب جزائري يعيش في باريس.

لا نتوقع أن نسمع هذه الجملة من شخص نشأ في بوسطن، المدينة التي علمت أجيالا من الأجانب أن يصبحوا أميركيين في بلد يحب أن يعتقد أنه إناء تنصهر فيه جميع الحضارات والثقافات. مع ذلك ربما حان وقت تغيير هذه التوقعات، فهؤلاء الإرهابيون لا يشبهون منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر أو مذبحة مدرسة كولومبيان، بل هم أقرب ما يكون إلى الرجال الذين نفذوا تفجيرات مترو أنفاق في لندن أو محطة القطارات في إسبانيا. ولا بد أن تكون استجابتنا مختلفة، بل مختلفة جدا.

* خدمة «واشنطن بوست»