مرسي يلحق مصر «الإخوانية» بالحلف الروسي ـ الإيراني!!

TT

استبعد كثيرون بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم واختيار محمد مرسي رئيسا للدولة المصرية أن يكون هناك تقارب بين مصر «الإخوانية» والمحور الروسي - الإيراني – السوري، انطلاقا من أن روسيا وإيران تشاركان مشاركة فعلية، عسكرية وسياسية، في هذه الحرب البشعة التي بقي نظام بشار الأسد يشنها على شعبه على مدى عامين وأكثر وعلى أساس أن «إخوان سوريا» يشكلون رقما رئيسا في معادلة المعارضة السورية وأنهم كانوا في عام 1982 قد تعرضوا لمذبحة هي مذبحة «حماه» التي اعتبرت إحدى أبشع مذابح القرن الماضي.

ثم ولأن إيران الخمينية قد دأبت، حتى بعد إطاحة حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومجيء الإخوان المسلمين إلى السلطة، على التدخل في الشؤون الداخلية المصرية وبدوافع وتطلعات باتت معروفة ومكشوفة، فإن حتى المناهضين للحكم «الإخواني» كانوا يستبعدون أن تنفتح مصر الجديدة على إيران الخمينية صاحبة المشروع التمددي لاستعادة ما تعتبره أمجاد الإمبراطورية الفارسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

لقد كان الاعتقاد أن نفوذ بعض رجال الدين، في أوساط الاتجاهات الإسلامية في مصر وفي مقدمة هؤلاء «الإخوان المسلمون»، سيحول دون أي انفتاح فعلي بين مصر «الإخوانية» وإيران وبينها وبين روسيا الاتحادية التي مثلها مثل دولة الولي الفقيه بقيت تخوض إلى جانب بشار الأسد هذه الحرب الدامية ضد الشعب السوري وضد المعارضة السورية التي يقول «الإخوان» السوريون إنهم يشكلون طليعتها وإنهم قيادتها الحقيقية.

وهكذا وعلى الرغم من أن الإخوان في كل مكان وفي مقدمتهم «إخوان مصر» و«إخوان الأردن» كانوا قد تخلوا عن «إخوانهم» السوريين في مذبحة 1982 وبعدها، وأنهم كانوا قد باعوهم في وضح النهار وانحازوا إلى هذا النظام السوري، الذي من المفترض أنه اشتراكي وعلماني وأكبر عدو لكل الاتجاهات الإسلامية، إن في عهد «الوالد» وإن في عهد «الولد»، فإنه، بعد اعتلاء محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسيَّرة من قبل المرشد العام محمد بديع، كرسي السلطة المصرية، قد كان هناك استبعاد مطلق لأي تقارب بين القاهرة وطهران وبين القاهرة وموسكو وبالطبع بين القاهرة ودمشق.

لكن ما كان مفاجئا لكل من استبعدوا مثل هذا التقارب أن محمد مرسي استقبل محمود أحمدي نجاد في القاهرة استقبال الأبطال وأنه ذهب إلى طهران بفرح غامر وأن أبواب مصر بمباركة المرشد العام محمد بديع قد فتحت على مصاريعها أمام حجيج مذهبي لم يتم إيقافه «مؤقتا» إلا لرفض الشعب المصري الذي لم تكن غالبيته تعرف وتعلم أن هناك بين ظهرانيها أقلية شيعية مع أنها ربما تعرف أن الفاطميين، بعد أن دالت دولتهم على يد صلاح الدين الأيوبي، قد تركوا وراءهم مجموعة صغيرة من الفاطميين على المذهب الإسماعيلي الذي يرتبط بمدينة «السلمية» السورية روحيا والذي يمثله الآغا خان الذي يحظى بتقدير فريد بين أتباع هذا المذهب وغالبيتهم في الهند.

هذا بالنسبة لإيران، أما بالنسبة لروسيا التي تقود الآن حلفا إيرانيا - سوريا هو الذي يخوض الآن المعارك المحتدمة سياسيا وعسكريا دفاعا عن بشار الأسد ونظامه، فإن اندفاعة مصر «الإخوانية» نحوها قد أثارت الكثير من الأسئلة والتساؤلات؛ إذ كان متوقعا أن تبحث مِصر عن مصالحها في كل مكان لكن ما لم يكن متوقعا أن يقول محمد مرسي في قمة منتجع سوتشي، الذي كان مخصصا لزعماء الاتحاد السوفياتي وضيوفهم قبل انهياره في بدايات تسعينات القرن الماضي، التي جمعته بـ«الإمبراطور» الروسي الجديد فلاديمير بوتين: «إن القاهرة وموسكو متطابقتان تطابقا كاملا بشأن الأزمة السورية».

وهنا فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: هل هذا التطابق الكامل يا ترى، الذي تحدث عنه محمد مرسي الذي عليه الرجوع إلى المرشد العام محمد بديع، يعني أن «الإخوان المصريين» باتوا يتبنون وجهة نظر روسيا ووزير خارجيتها سيرغي لافروف، وأن الدولة المصرية غدت تقف فعليا إلى جانب بشار الأسد وجنبا إلى جنب مع روسيا الاتحادية وباتت تعتبر المعارضة السورية ومن ضمنها «الإخوان السوريون» مجموعات من القتلة الإرهابيين، وتعتبر هذا النظام السوري نظام «ممانعة ومقاومة» وأن سقوطه يعتبر كارثة قومية وإقليمية ودولية؟!

ثم وأكثر من هذا فإن ما يثير الاستغراب فعلا أن محمد مرسي، قد ألح بالطلب على مضيفه في منتجع سوتشي فلاديمير بوتين بقبول مصر عضوا فيما يسمى مجموعة الـ«بريكس»، التي تضم حاليا كما هو معروف البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي من المعروف أيضا أن كل دولها الأربع الأخرى إن هي لم تتطابق مواقفها تطابقا مع الموقف الروسي كالصين فإنها على الأقل تؤيد هذا الموقف بالنسبة للأزمة السورية وبخاصة في اجتماعات الأمم المتحدة والمجالات الدولية الأخرى.

ألا يعني هذا أن محمد مرسي، بمباركة مرجيته، ذاهب بمصر «الإخوانية» إلى الحلف الإيراني - الروسي وإلى التناغم مع مجموعة الـ«بريكس» التي طلب عضويتها الكاملة للدولة المصرية وبالتالي إلى الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد وإن مواربة وعلى طريقة الإخوان المسلمين الذين كما يقال بقوا يتبعون سياسة إضاءة إشارة قاطرتهم السياسية نحو الشمال بينما هم ينحرفون عمليا نحو اليمين.

وكذلك أيضا هل يا ترى أن مصر «الإخوانية» قد انتقلت من التحالف مع معسكر الولايات المتحدة إلى معسكر التحالف مع روسيا الاتحادية المتحالفة مع إيران ومع نظام بشار الأسد والتي تشكل رقما رئيسا في مجموعة الـ«بريكس» هذه الآنفة الذكر وإلا فما معنى أن يعرض محمد مرسي على فلاديمير بوتين وفي منتجع سوتشي المشار إليه استعداد مصر لتقديم خدمات للأساطيل الروسية في البحر الأبيض المتوسط؛ فهل يا ترى أن «الإخوان المصريين» بعدما فقدوا رهان واشنطن لملء «الفراغ»!! في هذه المنطقة قد اتجهوا نحو موسكو لتكون «وكيلهم» الجديد وتكون حاضنتهم الدولية الجديدة؟!

في كل الأحوال فإنه بالإمكان لمس مؤشرات كثيرة على أن مصر «الإخوانية» ذاهبة إلى الحلف الروسي - الإيراني بخطى سريعة وأن موقفها الذي كان رماديا تجاه الأزمة السورية بات يتحول تحولا كاملا تجاه هذه الأزمة وتجاه المعارضين السوريين ومن بينهم «إخوان» سوريا.. وإلا فما معنى أن تلجأ الحكومة المصرية إلى الضغط على الأردن من خلال إمدادات الغاز المصري بينما يواجه هذا البلد تهديدات فعلية وعلى لسان بشار الأسد نفسه بنقل حرائق سوريا إليه وكل هذا بينما لم تتوقف هذه الإمدادات عن إسرائيل ولا لحظة واحدة؟!

والغريب أن محمد مرسي تحدث مع فلاديمير بوتين في قمة سوتشي وكأنه يتحدث مع فلاديمير أليتش لينين، فهو أشاد بالاتحاد السوفياتي «العظيم» على طريقة خالد بكداش، الذي بقي لنحو ستين عاما أمينا للحزب الشيوعي السوري، وتحدث عن إنجازات موسكو في مصر ومن بينها بناء السد العالي بما لم يتحدث به حتى جمال عبد الناصر.. وهذا يدل على أن مصر «الإخوانية» مقبلة على تحولات «دراماتيكية» من غير المستبعد أن يكون في مقدمتها دعم نظام بشار الأسد ومساندته ضد المعارضة السورية.