الجحود شعارنا

TT

اعترض بعض القراء على ما قلته في مقالتي عن بوذا وعيسى عليه السلام. أشار كاظم مصطفى من أميركا وعلي تميم من السعودية إلى ما فعله البوذيون في ميانمار. ومن مصر ذكرنا محمد أحمد بما فعله الصليبيون. وقال عبد الحكيم المرابط من إسبانيا إن كل هذا الكلام الجميل عن الغربيين خدعة منهم.

يا سادتي، قلما يوجد بين كل المتدينين في العالم من يلتزم فعلا بتعاليم دينه. تلومون البوذيين على فعلهم في ميانمار.. ماذا تقولون عن المسلمين الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم في مساجدنا وأسواقنا ويقتلون النساء والأطفال الأبرياء باسم الإسلام؟ والصليبيون يا سيد محمد، لم يفعلوا في القدس ما فعلوا بإخوانهم المسيحيين في القسطنطينية لمجرد اختلافهم في المذهب. وكل ما فعله نصارى الغرب بنا لا يعتبر شيئا بالنسبة لما فعلوه فيما بينهم في حروبهم الدينية بالأمس القريب. أسمعتم بمذبحة سان برثلميو وما فعله فيها الكاثوليك بالبروتستانت؟ ناهيك عما فعله النازيون باليهود.

ونعم يا سادتي، أنا منبهر بحضارة الغرب. كيف لا أنبهر؟! قبل أشهر قليلة، اكتشف الطبيب الإنجليزي أن حياتي معرضة لخطر جسيم. أجرى العملية، فتح صدري وأزال ضلوعي وأخرج القلب ووضعه في ثلاجة ثم أزال شريانا عاطلا فيه وجاء بشريان سليم انتزعه من رجلي ووضعه في مكانه وربط كل شيء وأعاد ضلوعي لمكانها وأغلق صدري. قام بكل ذلك وأنا نائم لا أشعر بشيء وخرجت من المستشفى ولم أدفع فلسا واحدا له. لولاه لكنت الآن تحت التراب نسيا منسيا. من اكتشف هذه العملية وطورها لفائدة كل البشر أينما كانوا.. الشيخ أبو قتادة أم أسامة بن لادن؟

عدت للبيت لأواصل عملي بفضل الكومبيوتر الذي يقوم لي بكل شيء الآن. لا يمر يوم إلا وأسمع عن إضافات تطوره وتزيد في قدراته.. من اخترعه وجاءني به.. صدام حسين أم القذافي؟ وكل ما بيدنا من طيارات وسيارات وكاميرات وتلفزيونات وراديوهات.. من اخترعها وصنعها وجهزنا بها؟

كانت أوبئة الطاعون والجدري والكوليرا تجتاح بلادنا وتفتك بالملايين منا.. من قضى عليها وخلصنا منها؟ أنا واحد ممن ذاقوا الرعب المريع من مرض السل، الشبح الذي كان يقض مضاجعنا.. من جاءنا بالدواء الرخيص للقضاء عليه؟ ومن يقوم الآن بهذه الجهود الجبارة للوصول لعلاج للسرطان؟ ليس بينهم طبيب واحد يساهم في هذا المجهود من بلادنا.

ومع ذلك لا ننفك نشتم الغرب ونحملهم كل مصائبنا التي هي من صنعنا. كل ما في العراق من مرافق حيوية.. بريد وبرق وسكك وموانئ وبرلمان أسسها الانتداب. ولكن القوم لا ينفكون يشتمون الاستعمار. كل ما لدينا من ثروة يعود للنفط.. من اكتشفه واستخرجه وسوقه وأعطانا حصة من ثمنه؟ ولكنك تسمعهم: الاستعمار يسرق نفطنا. كان السفر في العراق مخاطرة عصيبة حتى تولى العقيد لجمان توطيد الأمن على الطرق. قتلوه وراحوا يتغنون بقتله. ولولا الطائرات الأميركية لما استطاعت ليبيا دحر القذافي. كافأهم الليبيون بقتل سفيرهم الذي كان يناصرهم!

نحن قوم جحود لا نعترف بالفضل ونقطع اليد التي تمتد لمساعدتنا.