هل استعاد النظام السوري المبادأة؟

TT

مع ارتفاع وتيرة هجمات «الجيش السوري الحر» والجماعات المسلحة الأخرى في دمشق وأطرافها، يبدو أن خطط النظام للدفاع عن العاصمة دخلت مرحلة التنفيذ الواسع؛ فقد شنت قوات حماية دمشق وتشكيلات الحرس الجمهوري هجمات على أكثر من محور، بهدف إعادة فرض السيطرة على حافات ما يطلق عليها المربعات الأمنية، التي يستحيل المحافظة على تماسك النظام في دمشق من دونها، وتم تركيز الهجمات الحكومية على منطقة داريا القريبة إلى المواقع الحساسة من اتجاه الجنوب، وكذلك منطقة برزا في القسم الشمالي الغربي من مدينة دمشق، التي تضم مواقع تتمتع بأهمية مميزة.

وفيما حققت قوات النظام تقدما في مدينة داريا، تحت نيران الأسلحة الثقيلة، تمكنت قوات أخرى من تحقيق نتائج على مناطق التواصل بين حمص والأراضي اللبنانية في منطقة القصير، وقالت قوات «الجيش الحر» إن قوات كبيرة من حزب الله شاركت في هذه العمليات بكثافة وزخم شديدين، ويبدو أن قوات المعارضة تراجعت على المستوى المحلي؛ نظرا للتفاوت الكبير بين الكثافة النارية للطرفين، وزج النظام بقوات منتعشة، يبدو أنها لم تستنزف كثيرا بعمليات قتالية سابقا، أو قدمت من خارج الحدود فعلا؛ لأن حجم التأثير الميداني كان أكثر وضوحا من المحاولات الهجومية السابقة للنظام، التي مني معظمها بالفشل في داريا وغيرها من المناطق التي تدخل ضمن إطار الدفاع المباشر عن مدينة دمشق.

وفي معظم مناطق العمليات القتالية، من إدلب شمالا إلى درعا جنوبا، لم تحقق قوى المعارضة نتائج ميدانية على مدى الأسابيع الأخيرة، مما يمكن اعتباره علامات مؤثرة في سير الصراع، حيث اتسمت النشاطات بهجمات محلية محدودة، أقرب ما تكون إلى المناوشات في المناطق المبنية، وعمليات التأثير على خطوط المواصلات. وهو ما لا يقدم معطيات تساعد على التوصل إلى استنتاجات يعوّل عليها في توقع حدوث تطورات مهمة في معادلات الصراع على المدى المنظور. كما أن النظام روّج معلومات عن حدوث اشتباكات بين كتائب «الجيش الحر» وفصائل متشددة من «جبهة النصرة»، إلا أن أيا من الطرفين لم يعلن شيئا عن هذه المعلومات، مما يجعلها في موضع الشك.

وتشير العمليات القتالية الأخيرة إلى أن النظام تمكن بشكل أو آخر من استعادة المبادأة العسكرية، وهي من المبادئ الأساسية مما يصطلح عليه بـ«مبادئ الحرب»، فكثير من الجبهات أصيبت بحالة أقرب ما تكون إلى الجمود، مع تسخين غير عادي في المناطق التي تشن فيها القوات الحكومية هجمات مهمة. أما في مرات سابقة، فإن قوات المعارضة استغلت شن قوات النظام لهجمات في منطقة ما للقيام بهجمات مقابلة في مناطق أخرى، لتحقيق نجاحات مباغتة، أو لإجبار النظام على وقف هجماته الرئيسة. خصوصا أن مناطق حمص المؤدية إلى الحدود اللبنانية وإلى منطقة الساحل تكتسب أهمية استثنائية لا تقل كثيرا عن أهمية عمليات منطقة داريا.

الواقع المر الذي تشعر به المعارضة السورية والكتائب المسلحة، هو أن حلفاء النظام على قلتهم - إذا ما تم القياس على عدد الدول - أكثر اندفاعا من «معظم أصدقاء الشعب السوري» وداعمي الجناح العسكري للثورة. فالأميركيون لا يزالون يتحركون ببطء يمكن أن يتسبب في تعزيز قبضة النظام لو ترك الأمر إليهم، وما قرروا تقديمه من تجهيزات في اجتماع إسطنبول لا يخلو من فائدة، إلا أنه لا يكبح نقاط قوة النظام السوري، غير أنهم تخلوا عن اعتراضاتهم السابقة على تجهيز كتائب «الجيش الحر» بأسلحة نوعية، خصوصا أسلحة الدفاع الجوي المتطورة، التي اعترض عليها علنا رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

في معظم الحروب، عانت جيوش من النقص في العتاد، إلا أن مستويات العمليات القتالية الساخنة التي يشنها النظام، تظهر أن منظومة التعويض عن العتاد تعمل بكفاءة عالية، حتى في المناطق البعيدة عن دمشق، مما يدل على تدفق كميات كبيرة من العتاد، خصوصا في مجال الصواريخ المتوسطة وقنابل الطائرات والمدفعية والدبابات، مع المحافظة على تأمين الوقود، خلاف حالات النقص المتكررة العام الماضي.

وفي المقابل، فإن على كتائب المعارضة المسلحة الانتظار لأشهر عدة أخرى قبل «احتمال» تسلم أسلحة ترتقي إلى مستوى التأثير المباشر على نتائج الحرب. لذلك، يمكن القول إن حلفاء النظام أكثر عزما من «معظم» حلفاء خصومه المتحفظين.