فضل «دولة الاستكبار» على إيران

TT

العداء الإيراني للولايات المتحدة حالة فريدة في عالم العلاقات الدولية. هو أقرب إلى صفقة سياسية إقليمية تستغلها إيران لإضفاء مبرر «وطني» على نزعتها التاريخية لبسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط. العنوان العريض لهذا المبرر هو التصدي لإسرائيل و«الاستكبار الدولي»، الأمر الذي يجعل تدخلها في شؤون دول المنطقة مقبولا من بعض الجهات التي تلتزم عداء آيديولوجياً للولايات المتحدة.

ولكن فضل «دولة الاستكبار» على إيران لا يقتصر على إضفاء مبرر «وطني» على تدخلها السافر في شؤون سوريا ولبنان والعراق والبحرين وحتى السعودية... بل يتجاوزه - في المرحلة الراهنة على الأقل - إلى دعم أميركي غير مباشر، وإن كان مؤثرا، على صعيدين:

- صعيد لجم إسرائيل عن تنفيذ العمليات العسكرية التي تهدد بها ضد مواقع التطوير النووي في إيران. ويبدو مما تسرب عن لقاءات باراك أوباما المغلقة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو (إبان زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة لإسرائيل)، أنه تمكن، بجهد جهيد، من إقناع نتنياهو بأن الضربة العسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية لم يحِن وقتها بعد، وأن مجال التعامل الدبلوماسي مع ملف إيران النووي ما زال متاحا.

- صعيد الثورة السورية. وهنا قد يصح الحديث عن تواطؤ، وإن غير مقصود، بين واشنطن وطهران يسمح للجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما جاء على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، بمواصلة «دعم سوريا المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني ومحور الاستكبار العالمي»، وتقديم مبادرة سياسية فحواها بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه «حتى انتهاء ولايته في عام 2014»... أي حتى انتهاء سوريا ككيان جغرافي موحد وحتى لجوء آخر مواطن سوري إلى «دول الجوار».

في هذا السياق بالذات «يأتيك بالأخبار من لم تزود»، فليس من المبالغة في شيء القول بأن «حليف» إيران الفعلي في تحقيق هذا السعي - إن تحقق - ليس جحافل حزب الله المتورطة عسكريا في النزاع السوري، بل «دولة الاستكبار» التي تلعنها طهران ليلا ونهارا: الولايات المتحدة الأميركية. وغير خافٍ أن ما رشح من اجتماع «أصدقاء سوريا» الأخير في إسطنبول عن رفض الرئيس باراك أوباما تزويد مقاتلي المعارضة السورية بالسلاح النوعي الذي يطالبون به منذ سنتين كفيل، بحد ذاته، بإطالة أمد النزاع ورفع معنويات إيران بالنسبة لسعيها إلى مد عمر النظام السوري إلى صيف عام 2014.

ليس مستبعدا أن يندرج قرار إيران زج حزب الله (اللبناني) في النزاع السوري في خانة هذا المسعى، إلا أن المستغرب أن تواصل واشنطن تقديم هاجس وقوع الأسلحة النوعية بأيدي «الإسلاميين المتشددين» على الأولويات السياسية التي تستوجب وقف التدخل العسكري الإيراني في سوريا عند حده، والاعتبارات الإنسانية التي تستدعي حلا سريعا لمآسي السوريين، وهي التي اعترفت بخطورتها على لسان وزير خارجيتها جون كيري.

كيري كان واضحا في تعداد مخاطر مراوحة النزاع السوري مكانه، وبينها: «خطر استخدام أسلحة كيماوية وقتل شعب بصواريخ بالستية واستخدام أسلحة دمار شامل أخرى... وخطر الوصول إلى عنف طائفي».

والأغرب من ذلك أن تصر الإدارة الأميركية على موقفها رغم تأكيد وزير خارجيتها كيري، في لقاء إسطنبول، أن المعارضة السورية قدمت «وثيقة مهمة» تلتزم فيها «بقيام سوريا تعددية تتمتع فيها كل أقلية بحقوقها وتشارك في خيارات المستقبل».

باختصار، إحجام الإدارة الأميركية عن إعادة ترتيب أولوياتها على ضوء التطورات الميدانية والسياسية المتلاحقة على الساحة السورية، من شأنه تغذية الحد الأدنى من آمال الرئيس السوري في البقاء بمنصبه، من جهة، وتشجيع النظام الإيراني، من جهة ثانية، على مواصلة دعمه بالرجال والعتاد.

وما لم تُعطَ، وراء كواليس مؤتمر «أصدقاء سوريا»، وعود تسليح مخفية للمعارضة السورية يجوز القول: هنيئا لسوريا بمجموعة أصدقائها. عليهم تنطبق مقولة المثل الانجليزي المعروف: «بوجود مثل هؤلاء الأصدقاء... مَن يحتاج إلى أعداء؟».