الشعراء في إخوانياتهم

TT

لقد انقطعت عن سلسلة «الشعراء في إخوانياتهم» منذ فارقنا عزيز الشعر والأدب المرحوم غازي القصيبي؛ فقد كان فارسا من فرسانها. وكما فارقنا هذا الفارس لحق به صديق شاعر آخر قبل أيام، الدكتور يوسف عز الدين رحمه الله، رئيس المجمع العلمي العراقي وأستاذ الأدب العربي في المملكة العربية السعودية. جمعتني به صداقة حميمية في أيام التلمذة، وتحولت إلى رباط دائم لم ننفك عنه. وبعد أن حط رحاله في منطقة ويلز في بريطانيا، كنا نلتقي في لندن بين الحين والآخر. ومن حنيني للقائه كتبت له بضعة أبيات من الشعر أداعبه بها، فلم أحتفظ بالقصاصة ولم تعد ذاكرتي تتسع لها. بيد أنه أجابني بقصيدة ظريفة بث فيها لواعج غربته وحنينه لبغداد، فقال:

أخالد القشطيني، يا زهوة القرين

صديق أيام الصبا، وحولنا حلو الظبى

لم تكترث للدهر، في حلوه والمر

نكرع ما شئنا هوى، في جهره وما انزوى

ويمضي الشاعر ليستعرض ذكريات الحياة في لندن وحيوية الشباب وأيام الدراسة حين كان يحضّر أطروحة الدكتوراه: «الشعر العراقي الحديث»، ثم تداعمه أيام الغربة والمهجر وشيخوخة العمر:

يا غبطة الأيام، فرت مع الأحلام

والشيب قاس دام، قد هد لي عظامي

وزادت البلية، أمشي على «عوجية»

أنا رهين غرفتي، ووحدتي وغربتي

وينتابه الحنين القاتل إلى بغداد، المدينة التي بناها العراقيون وخربها العراقيون، وجلسوا يبكون عليها. ينطلق بكلمات تذكرنا بكلمات الشاعر محمد مهدي الجواهري «يا دجلة الخير!» أما أبو أسل فيقول حالما متأملا:

فهل نرى بغدادا، ودجلة نرتادا

وترتوي أشواقي، من دجلة العراق

أسير في الدروب، لا خوف من رقيب!

فهل أعود «خالد»؟ فالدهر لي معاند

فأطرب الأحجارا، وأنظم الأشعارا

وأرسم الآمالا، وأطلب المحالا!

وكما تهجس في ذهنه، عانده الدهر فلفظ آخر أنفاسه بعيدا عن شواطئ دجلة، ووارى عظامه تراب ويلز لا تراب بغداد ولا سامراء، في قبر غريب بين القبور.

رحمك الله يا صديق العمر وطريد الشتات.