للبيئة مهرجان في أبوظبي

TT

العالم كله يحكمه نسيج واحد، هذا ما تؤكده علوم الطبيعة، الفراشة التي تحرك جناحيها في الصين تصل ذبذباتها إلى الغلاف الجوي الأميركي، الكون كله يخضع لإرادة فراشة. يعيش ما يربو على 7 مليارات إنسان على كوكب الأرض، كل منهم لديه مسؤولية للحفاظ على البيئة وفاتورة ينبغي أن يتحملها حتى تستمر الحياة، ولكننا مع الأسف كثيرا ما نماطل في السداد ثم ندفع الثمن مضاعفا سواء أكنا مذنبين أم ضحايا.

في الماضي كانوا يخدعوننا بهذا الشعار «التدخين مسؤولية كل مدخن»، مما يعني أن العقاب سيتحمله فقط من يشعل السيجارة، ولكننا اكتشفنا أن مخاطر التدخين تتجاوز حتى الدائرة المحيطة بالمدخن من الأهل والأصدقاء والجيران لتصل إلى الكون كله وتسهم في اتساع ثقب الأوزون وتؤدي إلى معاناة كل الكائنات الحية بسبب الاحتباس الحراري.

قبل أيام انتهت فعاليات المهرجان الأول لأفلام البيئة بأبوظبي، الذي أقيم تحت رعاية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم بالمنطقة الغربية. حرص المهرجان الذي أداره الكاتبان الصحافيان محمد الحمادي رئيسا ومحمد منير رئيسا تنفيذيا على أن تصبح البيئة هي الهدف، حيث إنها بمثابة «التيمة» الرئيسة التي تقدم حولها تنويعات سينمائية ومحاضرات تثقيفية تتناول كل ما يمت بصلة قربى أو نسب إلى البيئة. جائزة المهرجان وشعاره عبارة عن «ظبي» تحيطه ثلاث دوائر خضراء وحمراء وزرقاء بينما رأس الظبي تتحرق شوقا للسماء.

حرص المهرجان في كل فعالياته على أن يمنح البطولة للون الأخضر، فهو رمز النقاء والنماء في الذاكرة الجمعية للبشر أجمعين، ولهذا فإنه ولأول مرة لا يعترف في كل الافتتاحيات التي يقيمها سوى بالسجادة الخضراء رافضا تماما تلك الحمراء الطابع المميز لكل المهرجانات. أقيمت ندوات وعروض بعضها تجاوز جنبات مسرح أبوظبي لينطلق إلى الهواء الطلق ومع الجمهور ليحقق علاقة دافئة مع الناس.

تشابهت اختيارات الأفلام، ولهذا فإن من بين المقترحات التي تتم دراستها لتطبيقها في العام القادم أن تصل العروض السينمائية إلى دائرة أوسع لتشمل أيضا الأفلام التي تصبح فيها الطبيعة هي البطل، وهذا يمنح المهرجان فرصة أكثر للتنوع في اختياراته، وفي نفس الوقت لا يفقده خصوصيته، كانت إدارة المهرجان حريصة على توثيق برنامج المحاضرات من خلال ندوات تحث الإنسان على أن يعيد مرة أخرى صداقته للطبيعة بعد طول خصام.

السينما تملك قدرة سحرية على أن تقدم للجمهور رسائل مدمرة لكل جنبات الحياة، فالكثير من الجرائم كان الدافع إليها مشاهدة فيلم سينمائي ومحاكاة ما قدمه الأبطال الأشرار، فإن الأمر من الممكن أن يتحول إلى وسيلة عكسية عندما تبث السينما سلوكا يحث الناس على حماية البيئة من خلال أبطال طيبين مثل فيلم الافتتاح «الأرض الموعودة» بطولة مات ديمون، ويجب أن نذكر أننا كعرب نعاني من فقدان يتجاوز 20% في أنواع الأسماك والطيور والثدييات التي تواجه شبح الانقراض وسوف يزداد مع الأيام الخطر الذي يحدق بنا.

بمجرد انتهاء فعاليات هذه الدورة حددت إدارة المهرجان أن حفل الافتتاح القادم 2014 سيقام في يوم «ساعة الأرض» على كورنيش أبوظبي بعرض موسيقي وعلى أضواء الشموع، والذي يوافق 23 مارس (آذار)، واختيار هذا اليوم ليس عشوائيا، فهو حدث عالمي يتم من خلاله الاتفاق بين أصحاب المنازل والشركات على إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية لمدة ساعة واحدة، وذلك لرفع الوعي بخطر التغيير المناخي. نعم، كان من المهم أن تبدأ الخطوة الأولى لحماية البيئة بمهرجان أبوظبي، وبعدها نبدأ طريق الألف ميل ونحن نراقب ذبذبات جناحي الفراشة!!