«على نياتكم ترزقون»

TT

سبحان الله.. قد يريد الإنسان أن يفعل خيرا فينقلب إلى شر من دون أن يتعمد أو يفطن إلى ذلك، وهذا الصنف من الناس هم من يطلقون عليهم مسمّى (على نياتكم ترزقون)، وغالبا ما يكون رزقهم وبالا عليهم، ومن مواصفاتهم التسرع مع عدم حسن التعبير، وأنا مع الأسف أنتمي لهذه الفصيلة المميزة من الناس، وكثيرا ما ورطت نفسي مع شخصيات نافذة لها مكانتها واحترامها في المجتمع.

وقبل أيام وفي جلسة شبه خاصة، لفت نظري من كان على رأس الجلسة عندما ذكر مفتخرا أنه يستطيع من شمّة واحدة أن يفرق بين دهن الورد أو دهن العود المغشوش من الأصلي.

(فنقزت) - أي تسرعت بالتعليق على كلامه - وهدفي أولا وأخيرا أن أمتدحه، وبمعنى أصح أن أنافقه وذلك عندما قلت: الواقع طال عمرك أنك رجل (شمّام) من الطراز الأول.

وما أن تفوهت بكلمتي تلك حتى اكفهر وجهه والتفت لي قائلا بغضب: الحقيقة أنك ما تستحي، ليه أنت فاكرني تاجر أو مدمن مخدرات؟!

طبعا تفاجأت وأسقط بيدي، وأردت أن أوضح له مقصدي الشريف، وبدلا من أن (أكحلها أعميتها) أكثر، وذلك عندما قلت له: معاذ الله أنني أعني ذلك، ولكنني أقصد أن حاسة الشم الرائعة عندك تتفوق حتى على أنوف الكلاب، (فزدت الطين بلة)، لأن الرجل ما أن سمع توضيحي السخيف الذي تفوهت به، حتى وقف على حيله بعد أن كان جالسا، وأخذ يوجه لي كلمات نابية أخجل من ذكرها، وطوال الوقت كان يهز لي أصبعه أو (سبّابته) مهددا مثلما كان يهز أصبعه (سيف الإسلام القذافي)، أو الرئيس (مرسي) عندما كانا يهددان خصومهما، ولا تسألوني عن رد فعلي في ذلك الوقت، لأنني انكمشت في مقعدي (كالقنفذ) متمنيا لو أن الأرض تنشق وتبتلعني قبل أن أتفوه بوصفي ومديحي له، والحمد لله أن أحد العقلاء الحاضرين هدأ الأمر قائلا له: وهو يشير لي بيده اليمنى، فيما يحرك هو أصابع يده اليسرى حول رأسه قائلا له: (لا تشره) عليه طال عمرك، فيبدو أن (فيوزه) ضاربة، والعقل والله أنه (ترللي).

لا أريد أن أطيل عليكم، ولكنني في النهاية خرجت غير مأسوف علي ومن دون أن يودعني صاحب الجلسة، وعندما وصلت إلى منزلي أجر أذيال الخيبة، لم أنم ليلتها قبل أن أفتح (غوغل)، لكي أتبين صدقي من كذبي، وتوصلت للآتي:

إن الحاسة التي توجهك في اختيار الطعام، هي نفسها التي تتيح لك التمتع برائحة الزهور والعطور، فالمتخصص في الروائح يمكنه أن يحلل شذى زهرة، بعد أن يشمها جيدا.

بل إن المتخصص كذلك في أصناف النبيذ في بلاد غير المسلمين يمكنه أحيانا إذا ما ذاق نبيذا جيدا أن يستنتج من طعمه، ليس فقط نوع النبيذ، بل الكرم الذي أخذ منه، والسنة التي كان فيها عنبا، وهل تلك السنة كانت مشمسة أكثر، أم ماطرة أكثر؟! - انتهى.

ورحم الله (هيلين كلر) العمياء الصماء البكماء، فحياتها كلها كانت تعتمد بالدرجة الأولى على (الشم) إلى جانب اللمس.

اللهم لا تجعلنا نشم إلا زكياً، ولا نلمس إلا ناعماً، ولا نجالس إلا نظيفاً.

[email protected]