طريق واحد لتفتح زهور «الربيع العربي»

TT

عندما اندلعت شرارة الربيع العربي كانت الشعوب العربية تأمل في ولادة جديدة، فقد كانوا يعتقدون أنه سيأتي بنظم حكم جديدة تحررهم من الأسر والظلم والاستبداد. لقد سئموا البقاء في ربقة الأنظمة التي تعتنق الفكر الماركسي، والتي يخضعون لتحكمها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وخنقتهم الاشتراكية العربية، التي مزجت بين الماركسية والقومية العربية. وربما كانت طريقة التفكير هذه هي التي ألحقت أكبر الضرر ببعض المجتمعات العربية.

كانت انتفاضة الشعوب صحيحة، لكن كان هناك سؤال واحد هو «من الذي سيحل محل الأنظمة التسلطية؟».

بوجه عام ينتج انعدام الاستقرار من غياب وجود القرار. تعلم الشعوب أو الأنظمة الحاكمة ماذا تريد، لكنها لا تعلم ما الذي ينبغي عليها فعله. ويكثر الكلام عن الديمقراطية، لكن ليس لدى أحد فكرة عن شكل أو نموذج لتحقيقها.

كانت المعضلة العميقة بالنسبة إلى الذين شاركوا في الربيع العربي، أنهم لم يعيشوا يوما تحت حكم ديمقراطي. إنهم يريدون ديمقراطية، لكن ليس لديهم أدنى فكرة عن شكلها.

خلال الربيع العربي، تصور بعض المفكرين العرب أن الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية إزاء اتفاقية سايكس - بيكو جديدة. بمعنى آخر سوف تدخل القوى الاستعمارية السابقة المنطقة مرة أخرى كما فعلت بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسم المنطقة وتبسط نفوذها عليها. وبهذه الطريقة، سيتمكن الغرب من التوسع حتى الدول الإسلامية والشرق الأوسط. مع ذلك لم يحدث أي من هذا ولا يمكن أن يحدث. ورغم استمرار معارضة أنظمة الحكم الجديدة، رسخت هذه الأنظمة أقدامها في مصر وتونس. وسوريا تحت حماية روسيا في مواجهة الغرب. لذا لم يكن المناخ ملائما لاتفاقية سايكس - بيكو جديدة. وسرعان ما أثارت الأنظمة الجديدة في مصر وتونس توترات جديدة.

هل ستسيطر العناصر المتطرفة على الدول العربية؟ لقد وصل ذوو الخلفيات المتشددة بالفعل إلى سدة الحكم في بعض الدول، لكن الناس خرجت مرة أخرى إلى الشوارع. إنهم ينتقدون الحكومة ويصرون على عدم الخضوع لها، ولم يعودوا يخشون الجيش والشرطة. ويمكن القول إن احتمالات أن تحل الأنظمة الاستبدادية المتطرفة محل الأنظمة الماركسية ضئيلة للغاية.

ما الذي ستفعله هذه الأنظمة إذن؟ وما الذي يريده الناس؟ إن الفشل في الإجابة عن هذين السؤالين يعني عدم الاستقرار وعدم انتهاء ارتباك الربيع العربي؛ لذا من الجيد أن يرغب الرئيس المصري في الإصلاح رغم ماضيه السياسي، لكن الإجراءات التي اتخذها باسم الإصلاح لم تهدئ الشعب. ونظرا لأنهم تحرروا لتوهم من الظلم والقوة الغاشمة، لن يهدأوا إلى أن تلبى طلباتهم. لن يتراجع الشعب الذي حصل على حرية التعبير عن مطالبه بالتظاهر، بسهولة عن المشاركة في المظاهرات. لذا يبدو أن الإصلاحات الداخلية الضئيلة؛ من تعديل وزاري أو خروج ملايين المتظاهرين إلى الشوارع، لن تحقق للعالم العربي السلام والاستقرار المرجو.

الكثير من المجتمعات العربية دقيقة للغاية فيما يتعلق بالهوية القومية، لكنها تضع أهم ما تملك في الخلف، وهو الهوية الإسلامية.

يرتكب كل من الشعب والحكومة الأخطاء في سعيهم للحصول على حقوقهما.

بطبيعة الحال حقوق المرأة جزء من كل، لذا نظرة بعض المتشددين الدونية إلى المرأة مثيرة للأسى، لكن الأمر الأكثر إثارة للأسى هو اعتقاد النساء طوال تلك السنوات أنهن كائنات أدنى مرتبة وتقبلهن للازدراء. مع ذلك من أهم أسباب ذلك الاعتقاد، انتشار الترهات باسم الدين، وإجبار النساء على أن يصدقوها.

الدين الإسلامي يكرم المرأة ويضعها في مكانة رفيعة، ويوصي بحسن معاملتهن ورعايتهن؛ لذا ينبغي أن تحظى المرأة في المجتمعات العربية بالحقوق التي نص عليها القرآن الكريم. وينبغي أن تركز شعوب الربيع العربي على هويتها الإسلامية أكثر مما تركز على هويتها العربية. وينبغي أن تنتبه إلى الإسلام كما جاء في القرآن، لا كما يروج له المتطرفون والمتأسلمون. فقط عندها سنرى زهور الربيع العربي.

إنها الرغبة في محاكاة الأمور الحقيقية التي توجد خلف ما نشاهده حاليا من تناقض وانعدام استقرار. يريد الناس تقليد الغرب، ويريد المسؤولون تقليد الإصلاح. ولا يمكن أن يصل بنا هذا إلى نتيجة مرضية. ولا يمكن تأسيس نظام ديمقراطي يرضي الجميع إلا بالتوافق مع الإسلام كما جاء في القرآن.

كذلك يجب ألا ننسى أهمية الوحدة في هذا المقام. إذا كنا نشاهد مقتل عدد كبير من المسلمين يوميا على مرأى ومسمع من الجميع، وإذا كان العالم لا يفعل شيئا سوى متابعة ما يحدث دون تحريك ساكن، وإذا كانت حياة المسلم أقل أهمية من حياة قطة ضالة، فتشرذم العالم الإسلامي هو السبب. وحتى يصبح الربيع العربي ربيعا بحق، من الضروري على كل مسلم الدعوة إلى الوحدة. ويجب ألا نعتاد رؤية الأخ يهين أخاه، والمسلم يهين المسلم.

الوحدة فرض علينا كمسلمين.. فلنطالب بهذا.

* معلقة ومحللة في التلفزيون التركي