ثمن الربيع السوري!

TT

ما الذي سيقوله إخوان الخليج والمتعاطفون مع الجماعة الأم من أنصار الإسلام السياسي الآن تجاه التحول الخطير وغير المتوقع من قبل الإخوان في مصر الحاكمين بأمرهم في الأزمة السورية، بعد صدعوا رؤوسنا منذ بدايات مسلسل الأخطاء السياسية الفادحة التي ارتكبتها الجماعة بأن أي نقد لهم هو جزء من سيناريو الإطاحة بالخيار الديمقراطي وحتى «الإسلام المعتدل»؟!

أن تتحول الجماعة إلى فصيل سياسي شمولي يبتلع الحالة المصرية بأكملها أمر رغم فداحته كان متوقعا، حيث لا «ثابت» سياسيا وإنما «آيديولوجي» وربما عقائدي يقول بوضوح إن الوصول إلى سدة الحكم بذلك الفارق الضئيل هو نصر إلهي يجب أن يكلل بتكريس رؤية الجماعة والقفز، ليس فقط على آراء المخالفين لها من التيارات المدنية، وإنما تجاهل من أوصلوها إلى الحكم من شباب الثورة وحتى التيارات السلفية المتحالفة وبعض التيارات المدنية التي كانت ترى نار الإخوان خيرا من جنة النظام السابق.

وإذا كان من المستحيل أن يظل حكم الإخوان في ظل تردي الحالة السياسة الداخلية والحرب المفتوحة ضد الجميع، الأزهر والقضاء والمعارضة وشباب الثورة والتيارات المدنية وحتى الممانعة السلفية للتقارب مع إيران، فإن مجرد الرعاية الأميركية للمشروع الإخواني في المنطقة لن يحول مرسي إلى كرزاي فضلا عن المالكي، فإيجاد حليف للولايات المتحدة يضمن خيارات سياستها الخارجية بالمطلق في مقابل دعم نفوذه في الداخل يتطلب وجود معارضة متطرفة ومسلحة كطالبان من السهل شيطنتها وتجريمها دوليا، إلا أن «كرزنة» الحالة المصرية من خلال صنع فرعون إسلامي بأدوات ديمقراطية هو استخفاف بكل القيم الديمقراطية سينقلب على الإخوان وحتى الدعاية الأميركية ذاتها.

المحك الآن ليس فقط على وضع الإخوان، فهو في انحدار مستمر بفعل الممارسة السياسية المتهورة وليس بسبب نجاح خطاب المعارضة، كما أن أداء السياسة الخارجية الأوبامية لا تقل انهيارا وتضعضعا بعد الأداء المخيب في الملف السوري، والذي لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع هذا الصمت المطبق تجاه ما يحدث في سوريا، لا سيما بعد التصعيد لمرحلة الأسلحة الكيماوية، وهو سيلقي بظلاله على المنطقة، ليس سياسيا فحسب وإنما سيخلق نزعات ارتدادية قاسية على مستوى الإيمان بحقوق الإنسان، ولن تستطيع أميركا آنذاك التذرع بـ«القاعدة» والمجموعات الجهادية التي ستبدو كمخلص وقف مع الشعب المسحوق بالكيماوي بينما يكتفي المجتمع الدولي وأميركا بالمشاهدة.

وإذا كانت كل تلك الأخطاء في الأداء السياسي للإخوان داخليا قد قللت من فرص تمكن الجماعة من السيطرة على الوضع وتقديم حلول سريعة لضمان صيغة توافقية بين أطراف المجتمع، فإن الكارثة الآن هي أداء الجماعة في السياسة الخارجية رغم أن أجندتها مشجعة للرؤية الأميركية، وتحديدا ذلك القلق المفتعل تجاه أمن إسرائيل، والذي أثبت الإخوان أنهم يحصدون درجات مرتفعة.

كارثة الإخوان الآن هي استهداف الإخوان أنفسهم وتحديدا «إخوان سوريا» عبر إعادة النظر في الموقف من النظام السوري وفتح إمكانية التفاوض والتقارب مع إيران صمام الأمان لبقاء الأسد والنظام الأكثر دعما لمجازر بشار تجاه السوريين، هذه الكارثة السياسة التي تقترب من الحماقة لا يبررها برود العلاقة مع دول الاستقرار في الخليج العربي، وتحديدا مع الإمارات، ولا يبررها محاولة استخدام إيران كفزاعة لتركيا والخليج، ولا حتى البحث عن ملاذ اقتصادي يضمن تدفق المليارات للخزينة الإخوانية دون أي شروط سياسية، كما أن العودة إلى تاريخ العلاقات الإخوانية الإيرانية منذ بدايات ثورة ولاية الفقيه والتأثر الإخواني بها لا يفسر القصة سياسيا، وإن كان يعطي تلميحات حول موقف الجماعة تجاه النموذج الإيراني ومحاولة خلق ولاية مرشد سنية.

خطوة الإخوان نحو إيران هي إعادة تعريف للمعادلة الإقليمية ولا شك وبعثرة التوازنات القائمة، فالإخوان يريدون تحويل مشكلات الداخل والفشل السياسي إلى ضربة سياسية خارجية كبرى عبر إيجاد مخرج للأزمة السورية، بما يضمن عدم التدخل الأميركي في سوريا ورفع الحرج عن الراعي الرسمي للربيع الإخواني، كما أن هذا المخرج هو أيضا جزء من ملف الثقة الذي يحاول الإخوان تقديمه لروسيا لإعادة الحضور الإقليمي عبر التقارب مع إيران.

الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ترتكبه الجماعة يفسر رغبتها الملحة في لعب أدوار خارجية لتغطية مشكلات الداخل أو على الأقل لتقبل نسقها الشمولي في التحول إلى ديكتاتور ديمقراطي يقدم مصلحة الجماعة على المصلحة الوطنية، لكنه لا يفسر أبدا استهداف الجماعة لذاتها عبر ضرب إخوان سوريا في صميم ثورتهم، ومن هنا لا يستبعد أن يكون جزءا من التفاوض مع إيران بشأن الملف السوري هو ضمانة لعب الإخوان دورا رئيسا في الصيغة الجديدة للمصالحة، وهذا يعني إمكانية التضحية بكل أطياف المعارضة السورية.

والسؤال: هل سنشهد انقسامات إخوانية إخوانية كما حدث إبان حرب الخليج، حيث فوجئ إخوان الخليج وتحديدا الكويت بتنكر إخوان الشام لهم ووقوفهم مع صدام آنذاك؟ شخصيا لا أعتقد ذلك، فموقف إخوان الخليج الإيجابي من حزب الله في حرب تموز 2006 تعطي مؤشرا على رؤية الإسلام السياسي للثورة الإيرانية وأذرعها، وأن شعار المقاومة وعداء الغرب مقدم على الخلافات المذهبية كما أن النزاع الإخواني الإخواني آنذاك كان بين فصيل يشكل معارضة وآخر حليف للدولة يعمل كحزب دعوي لا سياسي.

والحال أن السؤال السابق لا يقلل من أهمية سؤال آخر على الصعيد الداخلي، وهو: كيف سيعالج الإخوان المصريون تداعيات هذا التقارب مع إيران وتبدل اللهجة في الأزمة السورية لحلفائهم من السلفيين في الداخل؟ حيث تدرك الجماعة أن «الليونة» السلفية في السياسة مرهونة بصلابة الموقف العقائدي، وهو ما يلوح بتجاذبات سياسية حادة. الأكيد أن الحريري صاحب المقامات لو كان بيننا لكتب «وفي نهاية الزمان، برعاية الأميركان، استهدف الإخوان الإخوان، للتقارب مع إيران، فكان ما كان»!

[email protected]